مقال مشترك للدكتور حسام الحافظ والدكتور عبد الحميد العواك
7-12-2020
فوجىء جمهور قوى الثورة والمعارضة السورية بورقة مسربة مقدمة من وفد هيئة التفاوض السورية إلى الوفود الأخرى وإلى الوسيط الدولي خلال الدورة الرابعة من اجتماعات ما يسمى باللجنة الدستورية السورية والتي تضم أعضاء تمت تسميتهم من هيئة المفاوضات السورية المنبثقة عن مؤتمر الرياض (2) ومن النظام السوري ومن آخرين سماهم الوسيط الدولي ينتمون لمنظمات وتجمعات مختلفة؛ إذ تضمنت الورقة، التي تم صياغتها بصورة بدائية، أفكاراً بعيدة عن أهداف ومنطلقات الثورة السورية المجيدة وعن طموحات جمهور الثورة والسوريين عموماً، لتؤكد اللجنة وأعضاؤها على فقدانهم مشروعية الإنجاز بالإضافة لشرعية التمثيل.
من المعلوم لجمهور الثورة بالضرورة ألا شرعية للجنة الدستورية تفويضاً أو ولايةً وبخاصة أنها تمثل جسماً هجيناً انبثق عن مؤتمر سوتشي الروسي المرفوض قانونياً وسياسياً وشعبياً.
تؤكد اللجنة الدستورية في ورقتها إنها رافعةٌ لسياسات النظام وأجندته التخريبية لمستقبل سورية، وأداة قد تيسر له تمسكه بحكم البلاد تحت مظلة دستورية موهومة، وفي ظل مباحثات عقيمة يجريها مندوبوه مع آخرين لا يمثلون إلا أنفسهم غير مفوضين بالتكلم باسم الشعب السوري أو جمهور الثورة أو المعارضة.
ومن الواجب الوطني والإنساني يحتم علينا لفت الأنظار إلى ما تضمنته الورقة المذكورة من تجاوزات قانونية ودستورية وسياسية وانتهاكات لمبادئ العمل القانوني والسياسي والثوري…
ففي حين كان من المفترض الاستناد بشكل حصري على القرارين 2118 و2254 المنظمين للعملية السياسية والمتضمنين للأساس القانوني المفترض لعمل اللجنة الدستورية؛ فقد تمت صياغة الورقة استناداً إلى النقاط الاثنتي عشرة المتضمنة في بيان مؤتمر سوتشي والتي تم الزعم بأنها تمثل أرضية مشتركة مع وفود النظام مع أن الأخير تجاهلها في ورقته المقدمة بذات الجلسة…
وقد كان الأولى بمن يمثل الثورة وجمهورها أن يرفض ورقة النظام رفضا صريحاً مدوياً لأنها تتنكر لقضية الانتقال السياسي التي هي حجر الرحى بأي عملية تفاوضية. ولكن آثر واضعوا ورقة وفد المعارضة اختزال المأساة السورية ببضع توجهات وأفكار عائمة تمت صياغتها بأسلوب التذاكي والابتعاد عن جذور القضية السورية وعن أسس الحل الحقيقي.
كما أصر كاتبوا الورقة الذين من المفترض أنهم يمثلون قوى الثورة والمعارضة على الظهور بمظهر الوسيط الحيادي الباهت الممتنع عن اتخاذ مواقف ضد السلطة الأسدية الإجرامية.
وتضمنت الورقة أفكاراً ونصوصاً زعمت أنها ستكون من مضامين الدستور السوري القادم مع أن قراري مجلس الأمن 2128 و2254 قد أوضحا بشكل لا لبس فيه عدم صلاحية أي أجسام وضع دستور لسورية إذ أكد القراران المذكوران التسلسل الزمني للمفاوضات ولتطبيق مخرجات تلك المفاوضات من حيث التوصل لاتفاق الانتقال السياسي الذي سيتضمن تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية كاملة الصلاحيات ومن ثم قيام الهيئة بتأمين البيئة الحيادية الأمنية المناسبة لإجراء الانتخابات ووضع الدستور.
إن تضمين الأوراق التي تقدم الى اللجنة المذكورة أفكاراً تتعلق بشكل الحكم في البلاد وشكل الدولة السورية وتفاصيل أخرى يعد افتئاتاً على حق الشعب السوري بوضع دستور يعبر عنه وعن طموحاته، وبخاصة أن الورقة المذكورة لم تشر الى السياقات الحقيقية للوضع الحالي في سورية.
إن تقديم هذه الأفكار الى اللجنة الدستورية بأوراق رسمية تحت مسميات مختلفة مثل “المضامين الدستورية” يعني التنازل عن حق الشعب السوري في صوغ مستقبله بصورة تمثيلية قانونيةٍ وسياسيةٍ صحيحة فلا يمكن اعتبار اللجنة إلا معبرةً عن النظام وعن مجموعة من الأفراد المجتمعين مع مندوبيه ضمن لجنة غير شرعية، ولا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يسمح الشعب لهذه المجموعة بوضع دستور للسوريين في تلك الظروف المريبة وفي هذه المرحلة وقبل زوال الطغيان. لأن الدساتير التي تصنع بعيداً عن إرادة الشعب ستأتي من اللا شيء وستغادر إلى اللا شيء.
إن خلو “المضامين الدستورية” المقترحة في الورقة من أية مبادىء دستورية واضحة للمحاسبة القضائية لمرتكبي الانتهاكات والجرائم بحق ملايين السوريين، وكذلك خلوها من تحريم وتجريم إرهاب الأجهزة الرسمية للنظام وتجاهل توضيح من ارتكب الجرائم الارهابية بحق الشعب السوري، وعدم ذكر حتمية تجريم الاستعانة بالقوات والميليشيات الأجنبية وزجهم ضد الشعب وكذلك تجاهل مبدأ إعادة بناء الجيش وقوى الأمن على أسس وطنية لا طائفية غير مسيسة – مع وجوب وجود تلك المبادىء سواء في المناقشات الدستورية القادمة أو في الاتفاق السياسي الذي سيحدد سياق صياغة الدستور والخطوات الدستورية – يشير بشكل سافر إلى غياب أهداف الثورة السورية المجيدة عن تفكير من أعد الوثيقة المذكورة.
تحمل الورقة خلطاً مقصوداً لمفاهيم أولية كالدولة والحكومة ومن الواضح أن واضعيها قد آثروا انتقاء بعض العبارات الفضفاضة وفضلوا الابتعاد عن المضامين الدستورية والحقوقية المرتبطة بأهداف الثورة والتي تشكل قاعدة للانتقال السياسي عبر الدستور بعد الاتفاق على الانتقال السياسي.
وإن هذا الأسلوب ما هو إلا محاولة مكشوفة لاستجداء التوافق مع النظام بأي شكل من الأشكال ولو عن طريق إقحام الأفكار العائمة على حساب أفكار ومبادئ وأهداف الثورة.
كما أن استعمال عبارات مثل الوسائل “الديمقراطية” و “صندوق الاقتراع” و “التعددية السياسية” و “سيادة الشعب” لا تحمل فعلياً أي معاني حقيقة إن لم ترتبط بالاتفاق على الانتقال السياسي الواضح وتحقيقه فعلياً وصولاً إلى صياغة الدستور من خلال جمعية تأسيسية منتخبة تمثل الشعب السوري صاحب السيادة الحقيقية وليس الورقية الزائفة.
ومع تأكيد واضعي الورقة بأنها ذات مضامين دستورية يلمس المراقب إقحام مفاهيم إجرائية غير دستورية مرتبطة بحق الشعب السوري المصان وفقاً للعرف والقانون الوطني والقانون الدولي بمصادره المختلفة ومن ذلك حق جميع أفراد الشعب السوري في الحياة في وطنهم دون قيود وفي التنقل ومغادرتهم وعودتهم إلى وطنهم دون أي تدخل من السلطات وبخاصة السلطة التنفيذية.
تجنبت الورقة الإشارة إلى أساس المشكلة في سورية حتى من جانبها الدستوري؛ وفي حين أنها أشارت الى نظام الاقتراع والانتخابات دون الإشارة لنظام الحكم، حتى تبتعد عن جوهر الإشكالية وهي تغول رئيس الجمهورية على السلطات الثلاث، مع أن صلاحيات الرئيس والرئاسة لجهة الولاية الموضوعية والزمنية هو أحد المضامين المشتركة القليلة بين الانتقال السياسي والدستور وكان تناولها في صلب الورقة قد يخفف الشكوك حول نية واضعي الورقة المبينة من خلال الابتعاد عما يعبر عن أهداف الثورة.
وفي مخالفةٍ صريحة لأسس العمل القانوني والدستوري تصدت الورقة إلى أمر تأسيس هيئات خارج إطار السيادة الشعبية ومن خلال عبارات فضفاضة بعيدة عن الأعراف الدستورية وعن الفقه الدستوري وعن الممارسات الدستورية المعروفة، ناهيك عن أن تشكيل تلك الهيئات لا يمكن أن يتم دون معرفة أكيدة بتفاصيل بنود الانتقال السياسي والاتفاق على المعطيات التي ستشكل أسس العمل الدستوري والتي سيتم الاستناد اليها عند تشكيل أي هيئة أو جسم بالمستقبل.
فالنص على تلك الهيئات دون التطرق إلى هيئة الحكم الانتقالي ماهي إلا محاكاة مكشوفة لما يرغب به النظام ويعمل عليه وهي عودة اللاجئين قبل تأمين البيئة الآمنة والمحايدة التي تتطلب الكثير من التفصيل حتى تكون العودة آمنة ومختلفة عما يريده النظام.
إن إصرار أعضاء اللجنة الدستورية الذين من المفروض أنهم يمثلون الجانب المقابل للنظام على الخوض في تفاصيل غير مرتبطة بالانتقال السياسي من الحكم الاستبدادي الحالي إلى الدولة السورية الديمقراطية الحديثة يعني منح النظام الوقت اللازم لاستكمال استعداداته لتنفيذ استحقاقات مرتبطة بأجندته السياسية والدستورية.
لا مناص لأعضاء اللجنة الدستورية من التوقف عن هذه المهزلة ورفض المشاركة في أي اجتماعات مع النظام إلا إن تم تناول النقاط التالية بشكل صريح وواضح لا لبس فيه ولا غموض وذلك في الجولة القادمة وعلى أن يتم ذلك علنياً وعلى الملأ:
1. أسس تفعيل الانتقال السياسي والخطوات الدستورية المناسبة في الفترة الانتقالية.
2. شروط الترشح لرئاسة الجمهورية وعلى رأسها عدم تولي المنصب لمن تقلده فيما مضى وعدم تلوث أيدي المرشح بدماء السوريين وكذلك صلاحيات رئيس الجمهورية وولايته القانونية زمنياً وموضوعياً.
3. علاقة السلطات الثلاثة مع بعضها البعض وتقليص صلاحيات السلطة التنفيذية.
4. وضع جدول زمني لإجتماعات اللجنة الدستورية لا يتجاوز الشهرين يجري بعده العودة الى مفاوضات الانتقال السياسي الحقيقية عبر وفود معبرة عن جمهور الثورة والمعارضة تحت إشراف الأمم المتحدة في جنيف.
وإلا فالتفسير الوحيد الباقي هو أن ثمة تواطؤ لا ينبغي السكوت عنه بعد الآن ويصبح الحل الوحيد لدى السوريين جميعهم وبخاصة جمهور الثورة والمعارضة إعلان أن اللجنة الدستورية بكامل أعضائها تمثل النظام المجرم.