رامي الشاعر : ( كلنا شركاء)
تحياتي إلى جميع من يتواصل معي،
وردتني تعليقات كثيرة على مقالي الأخير بعنوان “هل تستطيع اللجنة الدستورية فتح صفحة جديدة في تاريخ سوريا؟”، وطلب مني البعض تقييم الجولة الرابعة، لذا وددت أن أطرح أفكاري على النحو التالي:
أقول بصراحة إن الجولة الرابعة لمفاوضات اللجنة الدستورية السورية قد فشلت لأنها أضاعت فرصة جديدة منحتها هيئة الأمم المتحدة لإحراز تقدم على طريق صياغة التعديلات الدستورية للبدء في عملية الانتقال السياسي السلمي حسب ما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وهو ما يعني بطبيعة الحال إطالة لأمد المعاناة التي يعيشها الشعب السوري، وتدهورا مريعا نحو الأسوأ يعيشه بشكل يومي 94% من الشعب المنكوب. لقد اجتمع 45 سوري في جنيف (اللجنة الدستورية المصغّرة)، وعجزوا عن مساعدة شعبهم ووطنهم لوقف التدهور اللاإنساني والسقوط نحو الهاوية، بينما يظن بعضهم أنه يقبض على جمر المبادئ والقيم والوطنية، ويتهم الآخرين بأنهم يقبضون بالدولار والريال والدراهم، ويظن البعض الآخر أنه يدافع عن الحرية والمدنية والديمقراطية، متهما الفريق الأول بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وبراميل متفجرة وهجوم كيماوي، في الوقت الذي يتمسك فيه الفريق الثالث بطرح قضايا الحساب والعقاب والسجون والمعتقلات والمغيبين قسريا.
من الواضح أن غالبية هؤلاء الـ 45 لا ينتمون إلى الأغلبية الساحقة من المجتمع السوري، وينعمون بظروف معيشية مريحة، تمكنهم من الحصول على الطعام والشراب والعلاج والدفء في ليالي الشتاء. لذلك فلا يعني الوقت بالنسبة لهم شيئا.
ثلاث قضايا لا علاقة لها بصياغة التعديل الدستوري، أثيرت من قبل الأطراف الثلاثة المشاركة، كانت السبب في إفشال الجولة الرابعة وهي:
– إدانة الاحتلال الأجنبي وتجريم كل من يتعامل معه من جانب الوفد الممثل للحكومة في دمشق.
يعني ذلك ببساطة أن كل المعارضين الموجودين في تركيا أو شمال غرب وشرق سوريا بما في ذلك المكون الكردي، هم مواطنون خارجون عن القانون، يتوجب تقديمهم للعدالة ومحاكمتهم كمجرمي حرب. فهل هذا يعقل؟
إن الوجود التركي على الأراضي السورية هو وجود مؤقت نتيجة لظروف معينة وفي إطار اتفاقية أضنة لعام 1998، الموقعة بين تركيا وسوريا. وفي الظروف التي مرت بها مناطق شمال سوريا، هناك ملايين من المواطنين السوريين، ممن يعتبرون الجيش التركي منقذا وحاميا وضامنا لأمن واستقرار مناطقهم في ظل الوضع السوري الحالي، ويعتبرون بقاء هذا الجيش مرتبط ببدء عملية الانتقال السياسي، الذي يجب أن يكونوا جزءا منه من خلال من يمثلهم في اللجنة الدستورية، ومن الغريب ألا تعي دمشق ذلك. وكذلك الحال في مناطق سورية أخرى، خضعت لتسويات بإشراف مجموعة أستانا، ويسودها نظام التهدئة على أمل الوعود التي قدمت بشأن التغيير، استنادا إلى نصوص قرار مجلس الأمن رقم 2254، وقد أكد على ذلك كل من روسيا وتركيا وإيران أثناء انعقاد مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري، والذي كان من بين نتائجه تشكيل اللجنة الدستورية.
– تعرض وفد المعارضة من جديد إلى قضية البراميل المتفجرة والميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني وغيرها من الاتهامات للحكومة السورية.
من الواضح أن 90% من الوقت تمت إضاعته في الخوض بمواضيع ونقاشات واتهامات لا علاقة لها بالمهمة التي اجتمع من أجلها وفد التفاوض، الذي أتى إلى جنيف مجسدا لإرادة الشعب السوري بغرض صياغة القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة وينظم السلطات العامة من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل منها والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.
فما الداعي إذن للعودة إلى أجواء الاتهامات والاتهامات المضادة، والسعي الحثيث بحثا عما يفرّق ولا يجمع، وما يوسع الهوة ولا يحاول رتقها؟
هل هناك كواليس خفية لا نراها تحاول أن تنسف مفاوضات جنيف مثلا؟ أو هل هناك طرف أو عدة أطراف تظن واهمة أن بإمكانها حل المشاكل بعيدا عن قرار مجلس الأمن رقم 2254، وعن مسار جنيف، وأستانا، وسوتشي؟
– عودة وفد المجتمع المدني لقضية من تلطخت أيديهم بدماء السوريين وأسباب التهجير وقضايا المعتقلين والمغيبين قسريا.
يأتي ذلك من جانب الوفد الذي كانت التوقعات تشير إلى أن يقوم بلعب الدور الأساسي في الوساطة بين وفدي الحكومة والمعارضة، وبعث روح المصالحة الوطنية، ومساعدة بعثة هيئة الأمم المتحدة في التوصل إلى توافق بين الوفدين. إلا أن ما حدث في أروقة مفاوضات الجولة الرابعة، على الرغم من الاعتراف بأنها كانت أهدأ من سابقاتها، ولمسنا للمرة الأولى درجة من المسؤولية والتنسيق بين الأطراف، يشير إلى وجود بعض الشخصيات، وسط جميع الأطراف، تسعى بكل الأساليب لخلق استفزازات، تهدف عمدا لإفشال أي تقدم في عمل اللجنة الدستورية، بل وربما كان لتلك الشخصيات أهداف بعيدة المدى للتخلص من قرار مجلس الأمن رقم 2254، ودور هيئة الأمم المتحدة، والتخلص من جهود جنيف بالكامل.
تنطلق المحاولات لإنهاء مسار جنيف من حجة أن ثلاث مناطق من المناطق الأربعة التي شملها نظام التهدئة ووقف الاقتتال قد أنجزت مهامها، ولم يتبقى سوى إدلب وضواحيها، التي يمكن لتركيا وحدها الاضطلاع بمسؤولياتها. وقد تم تقريبا القضاء على الإرهاب ووقف إطلاق النار وسيطرة الحكومة السورية على الجزء الأكبر من الأراضي السورية، لذلك لم يعد هناك داع لاستمرار التنسيق بين مجموعة أستانا (روسيا وتركيا وإيران) فيما يخص الأزمة السورية، ولا داعي لاستمرار الدوريات المشتركة، وذلك بالتزامن مع ترديد تصريحات من عينة أن هناك “التباس في الموقف الروسي بشأن الأزمة السورية”. وذلك أمر يتسم بالغرابة الشديدة، لأن الموقف الروسي واضح ومبدئي ويستند إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، والوارد فيه بوضوح أهمية الحفاظ على الدولة السورية ووحدة أراضيها. يترافق ذلك مع حملات تشكيك وتضليل إعلامي من أطراف متعددة وصلت إلى حد إشاعة ما أسموه رغبة روسية في استغلال الوضع السوري الصعب للعب دور الوسيط لصالح إسرائيل، لإجبار دمشق على توقيع اتفاق تطبيع معها، في ظل إبقاء وضع الجولان المحتل على حاله. إن عملية لخلط الأوراق تجري مع الأسف الشديد على قدم وساق، تساهم فيها قوى في دمشق وأطراف معارضة، لا يهمها سوى الحفاظ على مصالحها، ولا ارتباط لها بالمصلحة الوطنية العليا أو بمصالح الأغلبية العظمى من الشعب السوري.
يبدو أن الأيام القريبة المقبلة تشير إلى خلافات ستتفاقم في صفوف المعارضة السورية، وهو ما سيلقي بتبعاته بالتأكيد على وضع اللجنة الدستورية والمهام الملقاة على عاتقها، لذلك يتعين على القيادة في دمشق، المسؤول الرئيسي عن كل ما يخص سوريا وشعبها، المبادرة بتحمل مسؤولياتها أمام شعبها، والسعي لإنهاء المأساة التي يعيشها، والابتعاد عن كل محاولات خلط الأوراق والمماطلة والإبقاء على الوضع الراهن كما هو دون تغيير، وتجاهل قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومنجزات مؤتمر سوتشي، ودور مجموعة أستانا، حفاظا على كيان وسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها.
وأخيرا، فلن يتم الاعتراف الدولي بشرعية أي انتخابات رئاسية لتحديد من سيصبح رئيسا لسوريا في المستقبل، إلا إذا جرت تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة، وفي وجود مراقبين دوليين.
رامي الشاعر بالصورة على يمين بوغدانوف