الشاهد (أ-ح) خدم في مشفى “الشهيد يوسف العظمة” والمعروف بـ”المزة العسكري (601)” في حقبة مدير يدعى العميد “غسان حداد”، وانشق لينضم للجيش السوري الحر.
الشاهد، الذي غطى إحدى المراحل التي سبق أن وثقها “قيصر” في صوره، كشف لـ”زمان الوصل” أن أحد زملائه بالخدمة كان برتبة مجند يدعى “أحمد رسلان” ينحدر من حي “الصاخور” الحلبي وكان يعذب المعتقلين (ويعمل فريق التقصي على توثيق ما ارتكبه هذا المجند بملف مستقل ونرجو ممن لديه معلومات عنه تزويدنا بها).
*مهاجع الاعتقال ونازية الأسد
يقول الشاهد أ-ح:”اتبعت دورة التجنيد (أغرار) كمجند عام 2011 في مشفى تشرين العسكري وتم فرزي إلى مشفى المزة العسكري 601، وفي البداية خدمت في قسم القلبية وبقيت أخدم فيه لغاية منتصف عام 2012، وبعدها تم نقلي إلى قسم الرضوض وهو القسم الذي كان يُنقل إليه المعتقلون من الأفرع الأمنية المختلفة”.
ويؤكد الشاهد بأن قسم الرضوض لم يكن له أي وجود قبل الثورة عام 2011، كان عبارة عن مستودع للتخزين وليس مجهزاً ولا مهيئاً صحياً بأية تجهيزات طبية ولا يوجد فيه أي طبيب أو ممرض واقتصر كل الموجودين فيه على عناصر المخابرات والأمن وبالتالي هو معتقل يخضع لحراسة أمنية مشددة، يتابع الشاهد: “دخلت الى داخل قسم الرضوض فوجدته بناء غير مجهز (على العظم)، وكان هناك 7 مهاجع ويقدر الشاهد مساحة كل مهجع ب 6 أمتار طولاً و 5 عرضاً، وكل مهجع يضم حوالي 30 سريرا حديديا، وقرابة 80 معتقلا، وقد تم تعريتهم من كافة ملابسهم (عراة بالكامل أو نصف)، وأغلبهم تم اعتقاله أثناء مشاركته في المظاهرات السلمية، وقد كان يتم لصق كل سريرين معا، وكل 8 معتقلين يتم تقييدهم بالسلاسل والجنازير على هذين السريرين، ووضعهم بوضعية ما يسمى التسييف الشهيرة المتبعة في سجون ومعتقلات النظام، ولا يسمح لهم بقضاء حاجتهم في الحمام إلا مرة واحدة يومياً، ولهذه الأسباب كان معظمهم يقوم بالتبول والتغوط على أنفسهم أو على بعضهم البعض”.
ويتابع الشاهد وصف حالة المعتقلين بالقول”يتم تقييدهم بالسلاسل المعدنية وربطهم بالأسرة في ظروف لا إنسانية في سجن لا يصلح لبشر، وهذا ما كان يضطرني لوضع من 5 الى 6 كمامات فوق بعضها لأتجنب هذه الرائحة وأتمكن من الدخول للمهاجع، بقيت أخدم في هذا القسم حوالي 4 أشهر وأثناء فترة خدمتي في قسم الرضوض حصلت على ثقة عناصر المخابرات المسؤولين عن هؤلاء المعتقلين بسبب التزامي بالعمل المطلوب مني وهو إطعام هؤلاء المعتقلين دون التدخل في أمور أخرى، ولذا تم تخفيف قيود المراقبة عني أثناء دخولي وخروجي من وإلى مهاجع المعتقلين، وفي مدة خدمتي شعر المعتقلون بالطمأنينة من جانبي بسبب إحساسهم بالأمان بالتعامل معي، وذلك بعد أن زدت لهم حصصهم من الطعام وعدم القيام بتعذيبهم أو شتمهم أو الإساءة لهم، وعن طعام المعتقلين يذكر الشاهد بأن عناصر المخابرات المسؤولين عن حراسة هذه المهاجع كانوا يسرقون الطعام المخصص للمعتقلين ويكتفون بإطعامهم الخبز العفن وبقايا الأطعمة فقط”.
*عدد القتلى يومياً في المشفى
يحدثنا الشاهد عن المعتقلين الذين قضوا في مشفى المزة العسكري بالقول “فرج الله عنهم ورحم من مات منهم فقد أمنوا لي، وكانوا يطلبون مني مساعدتهم في بعض الأحيان وأبرز طلباتهم أن أغطي لهم عورتهم وآخرون يطلبون صابونة لغسل اليدين أو تقريب أسرّتهم إلى صنبور المياه ليستطيعوا ارتشاف بعض الماء، وكنت عندما أضع لهم الطعام أستغرب بأن أغلب المعتقلين لا يأكلون على الإطلاق وعندما أسألهم عن سبب عدم تناولهم الطعام كان جوابهم بأنهم صائمون، وهذا الأمر زاد من حزني عليهم، ولم أكن أستطيع تقديم أي شيء لإنقاذهم”.
وعن عدد الوفيات اليومي في هذه المهاجع تحديداً يستكمل الشاهد شهادته:
“يومياً كان يموت من شخصين أو ثلاثة في هذه المهاجع وكان يتم رمي جثثهم في التواليتات فوق بعضهم البعض، وعندما يصل العدد ما بين 4 إلى 5 موتى تأتي سيارة نوع فان لونها أبيض وترميهم في بساتين المعضمية، وعن هذه العملية بالتحديد يقول الشاهد من يقوم بعملية نقل المتوفين من تواليتات المهاجع إلى خارج المبنى وإلى سيارة الفان عند وصولها هم معتقلون آخرون يرتدون سروالا داخليا فقط”.
“
يستطرد الشاهد “تألمت كثيراً على هؤلاء المعتقلين، وبسبب ما رأيته بعيني وسمعته بأذني وعشته لحظة بلحظة قررت الانشقاق عن جيش الأسد وصارحت بذلك زميلي في الخدمة كنت أثق به ويثق بي ويدعى (أ -هـ) وعرضت عليه أن ننشق سوية وبادلني ذات الرغبة، ولكنه أخبرني بأنه ينسق للانشقاق مع جهة أخرى، وانشق أ-هـ لوحده وأنا أيضاً انشقيت في نهاية عام 2012 واتجهت إلى أحياء دمشق الجنوبية”.
ويعود (أ-ح) لوصف حال المعتقلين قائلا “كانوا يجبرون على تغطية عيونهم ووضع طماش قماشي (قطعة من القماش توضع على العيون لحجب الرؤية عنهم) وعند دخول أي شخص المهجع أياً كان يتوجب على المعتقلين أن ينزلوا الطماش على عيونهم، وكان يطلب عناصر الأمن والمخابرات يطلبون منهم الهتاف للنظام وجيش الأسد ويقومون بإذلالهم، وكان يتم ضربهم يومياً في هذه المهاجع بعصي خشبية (خيزرانة) وهم عراة ومكبلون”.
ويتحدث الشاهد عن إحدى وسائل التعذيب الأكثر همجية التي شهدها خلال خدمته وهي أنه كان من بين المعتقلين طبيب قام أحد عناصر المخابرات بوضع الرباط البلاستيكي الذي يستخدم لتقييد اليدين على رقبته إمعاناً في إذلاله وتعذيبه على الرغم مما يسببه هذا الرباط البلاستيكي من آلام وجروح وصعوبة بالتنفس”.
يقول الشاهد “في إحدى المرات تجرأت وسألت أحد عناصر المخابرات عن سبب اعتقال هؤلاء الأشخاص في قسم الرضوض فأجابني لا علاقة لك بهذا الأمر فرددت عليه بأنني لا أتدخل، ولكن أنا أستفسر فقط فهل هؤلاء (جهلة)؟ تم الضحك عليهم أو التغرير بهم؟ فأجابني العنصر: “هدول ما بدن سيادة الرئيس”.
وقام العنصر بمناداة الرقم 76، وسأله (شو دراستك)؟ فرد المعتقل بأنه طالب جامعة في السنة الثالثة وكرر المناداة بالأرقام لأكثر من 6 أو 7 معتقلين آخرين وجميعهم كانوا طلاب جامعات أو خريجي جامعات يدرسون الطب أو الهندسة والحقوق”.
*المسؤول عن القتل والتعذيب في المشفى
لدى سؤالنا الشاهد عن الأشخاص المسؤولين عن عملية التعذيب وطرقها وأساليبها وعن سبب جلب هؤلاء المعتقلين الى قسم الرضوض في مشفى المزة 601 بدل إبقائهم داخل أقبية الأفرع الأمنية التي اعتقلتهم أجاب “كل عناصر الأمن والمخابرات ومن يرغب ممن يخدم بهذا المشفى العسكري من عناصر أو أطباء أو ممرضين أو موظفين كانوا يقومون بتعذيب هؤلاء المعتقلين وضربهم وإفراغ ما بداخلهم من أحقاد دون أن يمنعهم أحد أو يحاسبهم أحد، وكان كل من يريد إثبات ولائه وتبعيته وإخلاصه لنظام الأسد من المجندين يقوم بضرب المعتقلين وتعذيبهم والتفنن بهذا بطرق التعذيب والتباهي أمام عناصر المخابرات بهذه الأفعال وأبرزهم المجند “أحمد رسلان” الذي كان يضرب المعتقلين ضرباً مبرحاً ويصرخ بهم قائلاً (أنا أبو الموت).
ويضيف الشاهد “في بعض الأحيان كان يأتي بعض عناصر الأمن والشبيحة والجيش من خارج ملاك المشفى ويدخلون المشفى ويقومون بتعذيب المعتقلين وضربهم.
”
*المعتقلون أرقام تتحول إلى جثامين بمعدل 5 قتلى يوميا“
ويستطرد “في إحدى المرات كنت شاهداً على حادثة لا تغيب عن ذاكرتي عندما جاء عنصران من الحرس الجمهوري إلى المشفى وسألوني أين يقع قسم الرضوض، عندها سألتهم لماذا تسألون عنه فردوا عليّ بأنه يوجد معتقلون داخل هذا القسم ويريدون الوصول إليهم فقلت لهم لا أعلم شيئا عن هذا الموضوع، لكنهم استمروا بالسؤال إلى أن قام بإرشادهم إليه أحد المجندين، وعلى إثر ذلك تبعتهم خلسة مرتدياً الكمامة كي لا يستطيعوا التعرف عليَّ، وقد شاهدتهم يدخلون الى قسم الرضوض وقاموا بضرب أحد المعتقلين ضرباً مبرحاً وتعذيبه حتى الموت، ولا أعلم بالتحديد هل كانوا يبحثون عنه بالتحديد وقاموا بضربه حتى الموت أم اختاروه عشوائياً”.
ويتابع الشاهد “إن عناصر المخابرات كانوا ينادون المعتقلين بالأرقام حصراً دون استخدام أية أسماء بالمطلق، وكان جميع المعتقلين مكبلين بالسلاسل، وشاهدت أحد المعتقلين مبتور القدمين قاموا بجنزرته وتقييده بالسلاسل من رقبته ويديه، ماعدا شخصين من المعتقلين فقط داخل كل مهجع لا يقوم العناصر بتعذيبهما ولا ضربهما وتنحصر مهامهما بنقل ما يدور من أحاديث بين المعتقلين داخل المهجع لعناصر الأمن إضافة لنقل جثث الموتى من المهجع إلى التواليتات وبعدها إلى سيارة الفان”.
*مسلخ لقتل المعتقلين والتخلص منهم
ورداً على سؤالنا عن سبب جلب المعتقلين إلى هذا القسم بالتحديد من الأفرع الأمنية أجاب الشاهد “من حيث المبدأ سبب جلبهم إلى المشفى من الأفرع الأمنية بسبب مرضهم ولتلقي العلاج؟ ولكن الواقع كان عكس ذلك فقد كان كل من يدخل المشفى على قدميه كان يخرج منه جثة هامدة وخلال فترة خدمتي لم أشاهد أو أسمع عن خروج أشخاص أحياء من المشفى إلا نادراً، حيث إن معظم المعتقلين في هذا المشفى برأيي قضوا تحت التعذيب في ظل هذه الظروف التي ذكرتها ولم يتم تقديم أي علاج أو كشف طبي لهم ولم يقدم لهم أي دواء بل على العكس كانوا يأتون بهم لتعذيبهم وقتلهم فقط والتخلص منهم”.
”
*معظم المعتقلين طلاب جامعيون وبينهم طبيب تلقى تعذيبا خاصا“
ويذكر الشاهد، حول الحالات النادرة لخروج معتقل حياً من هذا المشفى، حادثة حصلت معه شخصياً حيث طلب منه ذوو أحد المعتقلين وهم من سكان منطقة “السبينة” جنوب دمشق ممن يعلمون بخدمتي داخل المشفى البحث عن ابنهم بين المعتقلين بالمشفى، بعد ورود معلومات لهم عن احتمال وجوده هناك ويدعى (ب-أ) وأعطوني صورة له حتى لتسهيل عملية التعرف عليه، وبالفعل دخلت على مدار عدة أيام إلى المهاجع للبحث عنه بين المعتقلين دون أن يشعر بي أحد وقد واجهت صعوبة كبيرة أثناء بحثي عنه بسبب تغير هيئة وأشكال المعتقلين الذين غدوا جميعاً مجرد هياكل عظمية يكسوها الشعر الكثيف في الوجه والرأس.
يسرد الشاهد ذكرياته قائلا “بصعوبة بالغة تمكنت من التعرف عليه لوجود علامات مميزة بوجهه فاقتربت منه وسألته هل أنت (ب-أ)، فأجابني نعم، فأخبرته بأن ذويه يسألون عنه، وكان قد تلقى رصاصة في ظهره أثناء اعتقاله أدت إلى إصابته بالشلل، وعلمت بعد أشهر من انشقاقي بأنه تم الإفراج عنه وبأنه لجاً لاحقاً إلى الأردن بقصد العلاج ويقيم فيها حالياً”.
وأردف الشاهد “إننا كمجموعة كانت تؤدي الخدمة الإلزامية في مشفى المزة العسكري في أول فترة تلت انشقاقنا بقينا على تواصل دائم، ولكن بعد كل هذه السنوات لم يبقَ لدي إلا تواصل مع عدد محدد منهم”.
وتمكن فريق التقصي من الوصول إلى هؤلاء الشهود وتوثيق شهاداتهم وهو ما سوف تنشره “زمان الوصل” ضمن سلسلة متتابعة عن مشفى المزة العسكري، وما جرى بداخله من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تمثلت بتعذيب واضطهاد المعتقلين وقتلهم وتجويعهم حتى الموت وإخفاء جثامينهم.
وامتدت خدمة الشاهد الإلزامية من عام 2011 وحتى انشقاقه نهاية عام 2012، في مشفى المزة العسكري داخل الأقسام التالية: (القلبية- الرضوض – القسم القديم).
وأكد أن قسم الرضوض الذي كان يوزع الطعام فيه عبارة عن مركز اعتقال وتصفية للمعتقلين، وكلهم كانوا موقوفين لصالح الأفرع الأمنية المختلفة أبرزها فرع المنطقة وفرع المخابرات الجوية.
وأشار إلى أن المسؤول عن جرائم قتل وتعذيب المعتقلين هم العناصر التابعة لتلك الأفرع الأمنية ومهامهم كانت حراستهم ومراقبتهم ونقلهم، وهم من كانوا يتلذذون بتعذيبهم وقتلهم.
* مصير جثامين الضحايا
وقمنا بإرسال رابط تقرير سابق نشرته “زمان الوصل” عن مشفى الموت 601 في المزة الى الشاهد وطلبنا منه الاطلاع عليه وابداء الرأي بما ورد فيه من معلومات لتأكيدها أو نفيها، (اضغط هنا)…
فأجاب “بحسب معلوماتي أؤكد صحة ما ورد في التقرير وذلك ضمن ما أعرفه من معلومات ضمن حدود خدمتي وعلمي وما كنت مكلف بها من مهام”.
”
*قسم الرضوض أنشئ ليكون مقبرة المعتقلين القادمين من الأفرع الأمنية“
وعن مصير جثامين المعتقلين ومكان دفنها أو مصيرها ان كان لديه معلومات أكثر فقال “سألت أحد عناصر الحرس عن مصير الجثث بعد نقلها من قسم الرضوض فرد علي بأنه يتم نقلها الى ساحة المشفى ويجري ترقيمها هناك ومن ثم يتم دفنها بمقابر جماعية في مدينة معضمية الشام، وتحميل الجثث كان يتم بسيارة نوع فان تابعة لفرع المنطقة تحديداً وكل يوم يتم نقل 4 جثث على الأقل لموتى من قسم الرضوض”.
ويكمل الشاهد “من خلال خدمتي في مشفى المزة العسكري 601 أؤكد بأن كل من تم تحويله من الأفرع الأمنية المختلفة إلى المشفى وتحديداً قسم الرضوض الذي كنت أخدم فيه كانوا على قيد الحياة عند وصولهم للمشفى وكان يتم إرسالهم بهدف قتلهم والتخلص منهم”.
ويختم “خلال فترة خدمتي لاحظت أن عمليات التعذيب والقتل كانت تتم على أساس طائفي، حيث كان كل من شاهدتهم يرتكبون جرائم بحق المعتقلين هم من عناصر الأمن والمخابرات المتطرفين بولائهم للنظام”.
*المعتقلون أرقام تتحول إلى جثامين بمعدل 5 قتلى يوميا
*معظم المعتقلين طلاب جامعيون وبينهم طبيب تلقى تعذيبا خاصا
*قسم الرضوض أنشئ ليكون مقبرة المعتقلين القادمين من الأفرع الأمنية