نعى المبعوث الخاص غير بيدرسون في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن بتاريخ 16 / 12 / 2020
(الانتقال السياسي عبر هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية ) وذلك من خلال الفقرة 21 من إحاطته وهذا نصها “وفي نهاية المطاف, وبعد اعتماد دستور جديد وتوفير بيئة آمنة وهادئة ومحايدة يدعو القرار 2254 إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة, تدار تحت إشراف الأمم المتحدة وفقا لأعلى معايير الشفافية والمساءلة, وبمشاركة جميع السوريين الذين يحق لهم المشاركة, بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المهجر” وختمها على استحياء بمشاركة المهجرين والنازحين واللاجئين.
كما ورد ولأول مرة في إحاطة المبعوث الدولي الخاص لسورية غير بيدرسون مصطلح ” العدالة التصالحية ” في الفقرة السادسة من إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي المقدمة بتاريخ 16/12/2020 حيث وردت في السياق التالي ” كما قدم بعض أعضاء المجتمع المدني من الثلث الأوسط نقاطاً تتعلق بشروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، والقضايا أخرى ذات الصلة مثل إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة التصالحية، والآليات الدستورية المستقلة والحيادية ذات الصلة. بينما قدم أعضاء آخرون مداخلات حول عدد من القضايا على سبيل المثال الحاجة لمواجهة الإرهاب، والعقوبات، والسيادة وسلامة الأراضي “.
إن إدراج هذا المصطلح في وثائق الأمم المتحدة الخاصة بالمفاوضات المتعلقة بالملف السوري يعني إقراره ضمن آليات الحل السياسي الذي يٌعْمَل عليه برعاية الأمم المتحدة. وبما أن هذا المصطلح يطرح لأول مرة منذ بداية التدخل الاممي في الملف السوري الأمر الذي يوجب معرفة هذا المفهوم ودلالات إطلاقه في هذه الجولة من مفاوضات اللجنة الدستورية التي استقرت على اعتماد مصطلح ” العدالة الانتقالية ” في كل مراحل المفاوضات في خطاب المعارضة وخطاب الأمم المتحدة والتي تم بناء عليه إقامة مئات الورشات والدورات التدريبية لأعضاء المعارضة ممن انخرطوا في العملية التفاوضية.
ومن الغريب ولدى مواجهة بعض أعضاء اللجنة الدستورية بهذا المستجد وجدناهم بين ” متذاكٍ ” كعادة المعارضة حيث اعتبر أن المقصود بالعدالة التصالحية هي العدالة الانتقالية. وبين” ناءٍ بنفسه ” حيث رمى المسؤولية على مكتب الترجمة التابع لمكتب المبعوث الدولي السيد بيدرسون، وبين ثالثٍ ” لا مُبالٍ ” لم يعنيه الأمر لا من قريب ولا من بعيد. ولكن أصبح من المؤكد أن هناك محاولات لتمرير مفاهيم ومصطلحات خطيرة من قبل بعض الأطراف مستغلين ضعف قدرات بعض أعضاء وفد المعارضة وعدم مبالاة البعض وعمالة البعض الآخر المتماهي مع موقف النظام السوري.
لذا وجب علينا تعريف الشعب السوري الحر واطلاعه على ماهية وتعريف مفهومي العدالة الانتقالية والعدالة التصالحية والفرق بينهما.
أولاً: العدالة التصالحية:
- عرّف قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة رقم 2002/12، المؤرخ في 24 تموز/يوليه 2002 العدالة التصالحية بأنها: ” ” برنامج عدالة يستخدم عمليات تصالحية يشارك فيها الضحية والجاني، وعند الاقتضاء أي من الأفراد أو أعضاء المجتمع المحلي الآخرين المتضررين من الجريمة، مشاركة نشطة معاً في تسوية المسائل الناشئة عن الجريمة، وذلك، بصفة عامة، بمساعدة من ميسِّر وفق آليات تصالحية مثل ” الوساطة، والمصالحة، والتفاوض بين المحامين والقضاة والتشاور بشأن إصدار الأحكام “. ينتج عنها اتفاقات يتوصل اليها الأطراف تتضمن ” التعويض ورد الحقوق والخدمة المجتمعية، بهدف تلبية الاحتياجات والمسؤوليات الفردية والجماعية للأطراف وتحقيق اعادة اندماج الضحية والجاني في المجتمع.
ثانياً: العدالة الانتقالية:
- تُشير العدالة الانتقالية إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات ؛ تهدف الى ” إنشاء مؤسسات خاضعة للمساءلة واستعادة الثقة في تلك المؤسسات؛ وجعل الوصول إلى العدالة ممكناً للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع في أعقاب الانتهاكات؛ و ضمان أن النساء والمجموعات المهمشة تلعب دورا فعالاً في السعي لتحقيق مجتمع عادل؛ واحترام سيادة القانون؛ و تسهيل عمليات السلام، وتعزيز حل دائم للصراعات؛ و إقامة أساس لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع والتهميش ؛ و دفع قضية المصالحة ” . وفق الآليات التالية:
- الملاحقات القضائية، لاسيّما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحمّل المسؤولية.
- جبر الضرر.. الذي تعترف الحكومات من خلاله بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية ” كالمدفوعات النقدية أو الخدمات الصحيّة على سبيل المثال” فضلاً عن أشكال رمزية ” كالاعتذار العلني أو إحياء يوم للذكرى”.
- إصلاح المؤسسات ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوات المسلّحة، والشرطة والمحاكم بغية تفكيك – بالوسائل المناسبة – آلية الانتهاكات البنيوية وتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب.
- لجان الحقيقة أو وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات الممنهجة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وكذا للمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء تلك الانتهاكات.
- ولا ينبغي النظر إلى هذه الأساليب المختلفة كبدائل لبعضها البعض. على سبيل المثال، لجان الحقيقة ليست بديلاً عن المحاكمات. تحاول لجان الحقيقة أن تفعل شيئًا مختلفًا عن الملاحقات القضائية بتقديم مستوى أوسع بكثير من الاعتراف والحد من ثقافة الإنكار. وبالمثل، فإصلاح الدساتير والقوانين والمؤسسات ليست بديلاً عن تدابير أخرى ولكن تهدف مباشرة إلى استعادة الثقة ومنع تكرار الانتهاكات.
- من المهم التفكير بشكل مبتكر وخلاق حول هذه النُهج وحول مقاربات أخرى.
- الفرق بين العدالة الانتقالية والعدالة التصالحية:
- تأتي العدالة التصالحية في سياق عمليات السلام التي تسعى إلى إنهاء النزاعات المسلحة الداخلية قد يسعى الطرف الجاني المشاركين في المفاوضات إلى إدماج قضايا العدالة كجزء من الاتفاقيات لإنهاء الصراع للإفلات من العقاب؛ وليست جزء من عملية تحقيق العدالة والمحاسبة وانصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب التي تقوم عليها العدالة الانتقالية.
- العدالة التصالحية: ترتكز بالأساس على الضحية والاهتمام بها والالتفات الى حاجياته والمنصبة على جبر الضرر الذي تسببت به الجريمة وكذلك الاهتمام بالأطراف الأخرى ” الجاني والمجتمع ” من خلال السعي الى استعادة العلاقة بين الجميع من خلال جبر الضرر الناجم عن الجريمة والادماج الاجتماعي لمرتكبيها وتعزيز وإرساء السلم الاجتماعي و هي تغليب التعايش الميداني على تحقيق العدالة للضحايا حيث تعتبر ان العدالة ليست عدالة ” الفعل الجرمي ” او عدالة الجاني او عدالة الضحية بل هي كل ذلك من خلال تعايش ميداني يسعى الى لم شمل الأطراف واستعادة علاقاتهم وتصالحهم مع المجتمع ورأب الصدع الذي احدثته الجريمة
- العدالة التصالحية لا تشترط تحقيق الانتقال السياسي مما يعني إمكانية بقاء السلطة القائمة وتوليها او مشاركتها عملية العدالة التصالحية.
- العدالة الانتقالية عدالة عقابية أما العدالة التصالحية عدالة تفاوضية بين الجاني والضحية؛ تقوم العدالة التصالحية على القانون العرفي والحلول الرضائية والابتعاد عن الحلول التنازعية، بينما تقوم العدالة الانتقالية على قوانين وتشريعات تتضمن نصوص تجريمية ونصوص عقابية ونصوص تكفل جبر الضرر والتعويض ولها قوة إلزامية وهي حجة على الكافة، بينما العدالة التصالحية تقوم على التفاوض على جبر الضرر دون العقاب وهي علاقة اختيارية لا تحمل طابع الالزام الجبري يمكن التنصل منها كونها أقرب الى الالتزامات التعاقدية.
- العدالة الانتقالية نوعاً خاصاً من العدالة مثل العدالة التصالحية أو العدالة التوزيعية أو العدالة الجزائية.، وهي تطبيق لسياسة حقوق الإنسان في ظروف معينة، أما العدالة التصالحية هي مزيج من العدالة التوزيعية والعدالة التأهيلية التي تُركِّز على الجاني من خلال السعي على إيجاد سبل علاجه بقصد إعادة تأهيله وإدماجه في المجتمع، والتوزيعية التي تحمل دلالة سياسيّة قانونيّة اجتماعيّة يقوم على المساواة النسبية بين الجاني والضحية في تحمل المسؤولية عن الفعل الجرمي
- العدالة الانتقالية عدالة ” جنائية مدنية ” تضمن حقوق الضحايا ” عديمي الأهلية القانونية ” من خلال النصوص القانونية التي تعتبر من النظام العام، بينما العدالة التصالحية ” عدالة مدنية عرفية ” تؤدي الى هدر حقوق هؤلاء كونها علاقة تفاوضية بين جاني وضحية مما يفتح الباب على اتفاقات مجحفة بحقهم من قبل أولياء امورهم او القيّمين عليهم.
- العدالة التصالحية يُغلّب فيها الحق ” الشخصي ” على الحق العام مما يفتح الباب للمال والنفوذ والقوة التي يتمتع بها الجاني في المفاوضات بما يحقق مصلحته على حساب الضحية الامر الذي يُنمي عقلية التسلط والاجرام لديه، بينما في العدالة الجنائية يغلب فيها ” الحق العام ” من النصوص القانونية الزجرية و الجبرية التي تقوم النيابة العامة بحمايتها و الدفاع عنها من خلال مراحل التقاضي ابتداءً من التحقيق و الادعاء حتى الحكم والتنفيذ .
- بعد كل ما تقدم ألم يأن لأعضاء اللجنة اللادستورية وهيئة التفاوض أن يوقفوا دورهم الهدام في خيانة الثورة السورية وطعنها الطعنة تلو الأخرى بقيادة عراب المفاوضات التنازلية قائد اللجنة اللادستورية زعيم الواقعية السياسية الكاذبة ألم يأن الأوان لإسقاطهم جميعا ومحاسبتهم المحاسبة العادلة على ما ارتكبوه من خيانات وتنازلات.
هيئة القانونيين السوريين