محمد زيد مستو- رئيس تحرير إيران وير بالعربي
في مقابلة صحفية أجراها الرئيس السوري بشار الأسد مع وكالة “سبوتنيك” الروسية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نفى وجود أي قوات إيرانية داخل أراضي بلاده.
وعقب الأسد بالقول: “إن الوجود الإيراني يقتصر فقط على وجود خبراء عسكريين يعملون مع الجيش السوري على الأرض.
ليس لدينا قوات إيرانية، وهذا واضح جدا. إنهم يدعمون سوريا، يرسلون الخبراء العسكريين، ويعملون مع قواتنا على الأرض، ويوجدون مع الجيش السوري”.
خبراء عسكريون أم قادة ميدانيون؟
ما وصفهم الأسد بـ”الخبراء العسكريين” هم في الواقع قادة عسكريون ميدانيون من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، يرأسون ميليشيات تتبع لإيران، وتأخذ أوامرها من إيران، وحتى تتحصل على رواتب مقاتليها من إيران، بحسب مصادر متطابقة قامت بتزويدنا بمواقع المليشيات الإيرانية في هذا المشروع الذي أعده القسم العربي من إيران وير، وهو خريطة تفاعلية تظهر أماكن وجود الميلشيات الإيرانية في سوريا مع شرح مختصر عن كل موقع ومهامه، وذلك ضمن سياسة الموقع المستمرة في كشف التضليل الإعلامي الإيراني.
المواقع قام بتزويدنا بها سوريون مستاؤون من الوجود الإيراني، ومراسلونا ومصادر خاصة بعضها لبنانية، أو مقربة من الحرس الثوري الإيراني، وقمنا بمقاطعتها جميعاً مع ما ينشره مقاتلون إيرانيون على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة الفارسية، وما يتداوله السكان المحليون على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقالات ينشرها بعضهم على وسائل إعلام محلية، مع الإشارة إلى أننا حصلنا على أكثر من ٩٠ نقطة، ولكن قمنا بنشر النقاط الأكثر تقاطعاً من خلال المصادر.
للتأكد من صحة المواقع أيضا قام فريق “إيران وير” عربي بالاستعانة بالدبلوماسي السوري السابق في واشنطن بسام بربندي كمستشار للمشروع، وبرندي يتابع الشأن الإيراني في بلده عن قرب وعلى دراية بتلك المواقع.
المشروع يقوم على ثلاثة مراحل، نقوم خلالها بنشر المواقع في المنطقة الجنوبية، ونضيف تباعاً المنطقة الوسطى، ثم المنطقة الشمالية.
تضليل إعلامي إيراني وروسي
في ٧ يوليو/ تموز ٢٠١٧ توصلت الولايات المتحدة وروسيا والأردن إلى اتفاق لوقف إطلاق النار جنوب غربي سوريا.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حينها، إن الاتفاق يشمل مناطق درعا والقنيطرة والسويداء.
والاتفاق جاء نتيجة اجتماعات غير معلنة استمرت على مدار أشهر بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا، ونص على انسحاب الميليشيات الإيرانية إلى عمق 40/ كم عند الحدود الأردنية والجولان، وانسحاب قوات النظام السوري من مدينة درعا وعلى ثلاث مراحل، وتثبيت وقف إطلاق النار وعمل مناطق فاصلة مع فصائل المعارضة السورية بمسافة 5 كم في محيط درعا.
وجود الإيرانيين بالمنطقة الجنوبية في سوريا من خلال المواقع الموجودة في الخارطة يظهر كيف أن الروس لم يستطيعوا احترام اتفاقهم مع الأميركيين بالمنطقة الجنوبية، وهو إبعاد إيران عن الحدود بمسافة 40-60كلم.
أهمية المنطقة الجنوبية
تمثل منطقة الجنوب أهمية استراتيجية كبرى لإيران التي تسعى لإيجاد موطئ قدم لها بالقرب من الحدود مع إسرائيل، وهو ما يمنح إيران ورقة ضغط في حال تعرضها لحملة عسكرية أمريكية إسرائيلية، بحسب الدبلوماسي السوري بسام بربندي.
ويضيف الدبلوماسي السوري أن “إيران تصرفت أيضا كلاعب رئيسي في تحفيز النظام السوري على مهاجمة درعا، فالموقف الإيراني ينطلق من أن اتفاق استانا يمثل حجر الزاوية للتعاون الروسي الإيراني التركي لإنهاء الأزمة السورية بطريقة تحفظ مصالح هذه الدول. ومن هذا المنطلق فإن روسيا وافقت على إعطاء تركيا ضمانات على الأرض لضمان أمنها، وتحقيق أهدافها في سورية بمنطقتي شرق الفرات وإدلب، وبالتالي ترى إيران أن على روسيا أن تعطيها نفس الحقوق الأمنية والاستراتيجية في المنطقة الجنوبية في سورية (جنوب دمشق حتى الحدود مع إسرائيل)، وذلك لمواجهة أي تصعيد أمريكي إسرائيلي عسكري ضد إيران، ولتقوية موقف إيران في أي محادثات قادمة بخصوص الملفات العالقة مع الغرب”.
كلما زادت الضغوط الدولية على إيران واستمرت الضربات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية داخل سورية ازداد إصرار إيران على تكثيف وجودها على الحدود مع إسرائيل، وبالتالي إلغاء الاتفاق الذي رعته روسيا بين السكان المحليين والنظام برعاية روسية، وضرورة وقف ما تعتبره إيران حالة الفوضى في الجنوب. ودائماً ما يبرر النظام السوري تصرفات إيران بادعائه أنها تحارب الإرهاب.
في مطلع شهر ديسمبر/ كانون الثاني الجاري، دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال لقائه وزير الخارجية السوري الجديد فيصل المقداد خلال زيارة الأخير لطهران، دمشق إلى “ضرورة الاستمرار في مواجهة إسرائيل حتى يتم تحرير جميع الأراضي المحتلة بما فيها الجولان”، متعهداً بدعم سوريا كحليف استراتيجي، وقال: “إن مواجهة المحتلين الصهاينة والإرهاب هدف مشترك للشعبين… لا يساورنا أي شك في أننا يجب أن نستمر في المقاومة حتى النهاية والقضاء على الإرهابيين”.
إنشاء ميليشيات موالية
سعت إيران خلال السنوات الماضية إلى بناء قوات حليفة لها تحت عدة مسميات، ووسعت قواعدها العسكرية في هذه المنطقة القريبة من إسرائيل، و”لم تبال أو تهتم بما يقوله أو يقوم به الروس من اتفاقات مع الإسرائيليين والأمريكيين، وذلك وفقاً لمبدأ إذا أنتم لا تستطيعون حمايتنا من الإسرائيليين فاتركونا نحاربهم وحدنا” بحسب ما يقول بربندي.
ولهذا السبب “قاموا بإنشاء اللواء العسكري الشيعي ٣١٣ برئاسة إبراهيم مرجي، ومقره في “أزرع”، والذي يتألف مما يقارب ١٢٠٠ مقاتل، ومرتبط بالحرس الثوري الإيراني ومهمته حماية مصالح إيران بالمنطقة بما فيها مخازن الأسلحة الاستراتيجية في المنطقة الجنوبية. ومن ثم، فإن التهدئة في الجنوب لا تصب في مصلحة إيران التي تسعى إلى بسط سيطرتها على الحدود الجنوبية لتهديد إسرائيل، والاحتفاظ بورقة ضغط تساهم في تخفيف الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليها من قبل الغرب” يضيف بربندي.
إن التموقع العسكري للمليشيات الإيرانية لا يظهر الوجود الإيراني الفعلي الذي هو في الوقع سابق للاحتجاجات التي اندلعت في سوريا عام ٢٠١١، وأعمق بكثير مما يتم الحديث عنه، وهو تدخل يتبلور على صعيد الهيمنة السياسة والعسكرية، والتدخل الاقتصادي والإيديولوجي والثقافي.
للإطلاع على الخريطة إضغط هنا: