أصدر “مركز كارتر” الأمريكي، تقريراً بحثياً، حول سبل وآليات تحويل “النزاع” في سورية، والخروج من الوضع الحالي ضمن مسارات سياسية عدة، تتطلب تنازلات وضمانات من الأطراف السورية.
وجاء في التقرير، الذي حصل موقع “السورية نت” على نسخة منه، أن عام 2020 شهد مستوى أقل من “العنف مقارنة بالأعوام العشرة السابقة من الحرب في سورية”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان “لا تزال مستفحلة” في حين تتفاقم الأزمة الاقتصادية “الناجمة عن العقوبات الأمريكية”، ما يزيد حالة عدم الاستقرار في البلاد.
التقرير، الذي حمل اسم “الطريق نحو تحويل النزاع في سورية: إطار عمل لمقاربة مرحلية”، تساءل على استعداد أي طرف من “أطراف النزاع”، للتنازل عن مطالبه القصوى، مضيفاً أن “هناك اعترافاً متزايداً بأنه في حال لم يتغير المسار الحالي، فإن النتيجة ستكون على الأرجح دولة فاشلة في سورية لسنوات وربما لعقود”.
وبحسب مركز “كارتر” فإنه في حال استمر المسار الحالي للملف السوري، سيكون هناك تداعيات هامة أبرزها: استمرار معاناة الشعب السوري، موجة جديدة من تدفق اللاجئين، انتشار المنظمات “المتطرفة”، نشوب صراع أوسع، زعزعة استقرار الدول المجاورة لسورية.
سبعة مسارات لتغيير المسار
التقرير الذي نشره مركز “كارتر”، في يناير/ كانون الثاني الحالي، قدّم تصوراً لتغيير المسار في سورية، بالاستناد إلى مقابلات مع مسؤولين أمريكيين وأوروبيين وروس ومسؤولين في الأمم المتحدة، ومحللين في مراكز أبحاث وجامعات، إلى جانب سوريين من مختلف الشرائح السياسية.
وحدد التقرير سبعة مسارات تفاوضية “ملحة” لتحويل المسار في سورية، ترافقها خطوات أكثر صعوبة وفعلية على حكومة النظام اتخاذها من أجل بناء الثقة.
هذه المسارات هي “الإصلاح السياسي” بموجب قرار مجلس الأمن رقم “2254” الذي يدعو لعملية سياسية شاملة بقيادة سورية، تشمل صياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات حرة نزيهة تشرف عليها الأمم المتحدة، وهنا يجب أن يظهر التزام حكومة النظام بإنشاء نظام سياسي أكثر انفتاحاً وتضميناً بحسب التقرير.
في حين يتحدث المسار الثاني عن ملف “المعتقلين السياسيين”، مطالباً بضرورة معالجة هذا الملف لتسهيل عودة اللاجئين، حيث حدد مركز “كارتر” إجراءات على النظام السوري اتخاذها بهذا المجال؛ ومن بينها تزويد العائلات بمعلومات عن هوية ومصير المعتقلين والمغيبين قسرياً، والسماح بزيارتهم وإتاحة الوصول لهم من قبل لجنة “الصليب الأحمر”، إلى جانب إنهاء الاعتقالات التعسفية والتعذيب في السجون وإجراء محاكمات مدنية بدلاً من العسكرية ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
أما المسار الثالث يتعلق بعودة اللاجئين السوريين، إذ أشار تقرير مركز “كارتر” أنه لا توجد رغبة لدى أكثر اللاجئين بالعودة إلى وطنهم رغم زعم نظام الأسد بتقديم “تسهيلات”، وذلك بسبب عدم وفاء النظام بوعوده وتعرض العائدين للاعتقال والابتزاز.
وطالب التقرير بضرورة تيسير وصول موظفي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من دون عوائق داخل سورية، لزيارة العائدين وتقييم أوضاعهم، إلى جانب التطبيق الشامل لحدود ومعايير الحماية الخاصة باللاجئين وإنشاء آلية لاستعادة ممتلكاتهم.
ويتحدث المسار الرابع عن ضرورة حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لهم؛ خاصة في الشمال السوري، مطالباً بوقف استهداف البنية التحتية وضمان وصول المساعدات للمحتاجين لها دون عوائق؛ خاصة من قبل حكومة النظام.
ودعا المسار الخامس إلى وقف إطلاق النار في إدلب كشرط لتغيير المسار في سورية، بموجب اتفاق 5 آذار 2020 بين روسيا وتركيا، مطالباً بتفعيل الحوار لمعالجة الوضع في إدلب ومكافحة “الإرهاب”.
أما المسار السادس ينص على ضرورة انسحاب جميع القوات الإيرانية والمدعومة من إيران، وكذلك سحب الأسلحة التي تقدمها إيران للنظام.
وتحدث المسار السابع عن ملف الكيماوي في سورية، مطالباً بالوقف الفوري لاستخدام الأسلحة الكيماوية، والسماح بالوصول الفوري وغير المقيّد لموظفي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والإعلان عن جميع مخزونات ومنشآت الأسلحة الكيميائية المتبقية.
ثلاثة “حوافز” لنظام الأسد
بحسب تقرير “كارتر” فإن الولايات المتحدة ومعظم الحكومات الأوروبية تعارض تقديم أي حوافز لحكومة الأسد، دون اتخاذ الأخيرة خطوات فعلية لبناء الثقة، وعلى رأسها القبول بتسوية سياسية.
وأضاف أن المجتمع الدولي مستعد لتقديم حوافز للنظام، في حال أحدث تقدماً بالمسارات السبع السابقة، وهذه الحوافز هي: المساعدة الرسمية في إعادة الإعمار، وتخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية على سورية، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام.
ومع ذلك اعتبر التقرير أن إعادة بناء التعاون الدولي بشأن سورية “مسألة شاقة للغاية”، وتتطلب التراجع عن المطالب القصوى والبحث في تنازلات صعبة سياسياً، مضيفاً “على الرغم من كل هذه التحديات، فإن المكاسب التي يمكن جنيها من خلال المساعي الدبلوماسية تظل أفضل بكثير من الاستمرار في الاتجاه الحالي. لقد حان الوقت لتغيير المسار”.