معطيات جديدة، قد تقود إلى إثبات تورط نظام الأسد، بالوقوف وراء شحنة نترات الأمونيوم، إلى مرفأ بيروت الذي كان مسرح انفجار تلك الشحنة، في الرابع من شهر أغسطس من عام 2020، والذي أدى إلى مقتل وإصابة مئات الأشخاص، وسط تقاذف المسؤوليات عن استقدام ثم إهمال وجود هذا المركب الكيميائي عالي الخطورة، والذي انتهى إلى انفجار لم يجد المختصون له شبها، إلا بالانفجارات النووية.
وفي التفاصيل، كشفت معلومات حديثة، بأن السفينة التي نقلت “نترات الأمونيوم” إلى مرفأ بيروت، كانت وجهتها، بالأصل، لبنان، وليس دولة “موزنبيق” الأفريقية، بحسب صحيفة “ذي غارديان” البريطانية، اليوم الجمعة، مشيرة إلى أن المعلومات ترجّح تورّط رجلي أعمال قريبين من نظام الأسد، بنقل تلك الشحنة القاتلة، من أجل استخدامها، لاحقاً، في أسلحة جيش النظام.
جورج حسواني وكيل الأسد مع داعش
وفي السياق، تم الكشف عن اسمي رجلي الأعمال المرجح تورطهما، باستقدام شحنة “نترات الأمونيوم” وهما جورج حسواني، ومدلل خوري، واللذان تربطهما علاقات قديمة مع نظام الأسد، وسهلا له إجراء عمليات مالية معقدة، لتمكينه من التهرب من أثر العقوبات الدولية، فيما يبرز اسم خوري، بصفته مديرا لشبكة مالية تقدم دعماً حيويا لنظام الأسد، بحسب وصف “غلوبال ويتنيس” في شهر تموز/ يوليو عام 2020 في تقرير سابق للمنظمة غير الربحية والمعنية بالعدالة الحقوقية والبيئة وكشف ملفات فساد حول العالم وقضايا إنسانية وأخلاقية ذات صلة، وتأسست عام 1993.
وورد اسم جورج حسواني، عام 2015، إثر تورطه بتجارة النفط، بين حكومة الأسد، وتنظيم داعش، فأدرجته الإدارة الأميركية على لائحة عقوبات، نظراً لدوره بالتعامل مع “داعش” لصالح نظام الأسد.
وكان حسواني، وقبل شهور من إدراجه على لائحة العقوبات الأميركية، قد أخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي، إثر اتهامه، أيضا، بالمتاجرة مع “داعش” ولحساب نظام الأسد.
وحسواني الحامل للجنسية الروسية، تربطه صلات سابقة توصف بالقوية، مع شخصيات فاعلة في روسيا الاتحادية، وبرز اسمه بشكل كبير، منذ عام 2006، عندما قام بمشاريع غاز ونفط، في محافظة حمص، وسط سوريا، لصالح أكبر شركات النفط الروسية، وأسس شركة “هيسكو” العاملة بقطاع النفط ومشتقاته، وأصبحت ستاراً لمصالح مالية واقتصادية لنظام الأسد.
وأفاد حسواني، من عمله السابق، لدى النظام، بصفته مديرا لشركة مصفاة “بانياس” النفطية السورية، فقام بإحداث شبكة علاقة تجارية واسعة، مع أكثر من دولة، منها روسيا، وأصبح الأكثر قربا من بشار الأسد نفسه، ومنذ عام 2000، بحسب مصادر عديدة.
واتهم الاتحاد الأوروبي، حسواني، في نص قرار أخضعه لعقوبات، في شهر مارس من عام 2015، بالعمل “كوسيط تعاقدي بين داعش والحكومة السورية” وذلك من خلال شركته “هيسكو” التي وصفها قرار العقوبات، بالشركة الكبرى في سوريا.
شبكة تدعم كيمياوي الأسد وأموال عائلته
في المقابل، فإن شريك حسواني، والمتهم معه، بالوقوف وراء نقل شحنة “نترات الأمونيوم” إلى مطار بيروت، مدلل خوري، فإنه صاحب نشاط ملحوظ هو الأكبر في هذا السياق، في إنشاء روابط تجارية ومالية كبرى توصف بالمشبوهة والمتورطة بغسيل الأموال ودعمت نظام الأسد بقوة منذ عام 2011، ويعد الشخصية المالية الأكثر ارتباطا بالأسد وعائلته، في روسيا التي يحمل جنسيتها منذ سنوات عديدة.
واتهمت الإدارة الأميركية، مدلل خوري، بمحاولة شراء “نترات الأمونيوم” لصالح نظام الأسد، وذلك قبل شهور من انفجار بيروت بالشحنة التي اتهم بالوقوف خلف نقلها، هو وجورج حسواني.
ويعرّف مدلل خوري، بأنه مصرفي سوري-روسي، وانتقل للإقامة في الاتحاد الروسي، منذ الحقبة السوفيتية، وأسس هناك، شبكات كانت تقدم الدعم، العلني وغير العلني، لنظام الأسد وشخصياته المختلفة، منها محمد مخلوف، خال الأسد ووالد رامي، رجل الأعمال، والذي استقبله في موسكو، عام 2012، بحسب “غلوبال وايتنس” التي أكدت بأنه أسس شركات مجهولة لدعم نظام الأسد، مكنته من شراء الوقود، وتحولت إلى واجهة، لبرنامج الأسد الكيميائي والباليستي، الأمر الذي يتصل مباشرة، بالاتهام الموجه إليه وحسواني، بالوقوف وراء نقل شحنة أمونيوم مطار بيروت.
الشبكة-العائلة
وتشير نشاطات مدلل خوري، إلى تورطه بقضايا فساد ذات طبيعة عالمية، حيث مارس دور وساطة مالية، ونقل مدفوعات، ما بين أنظمة قمعية، وجماعات جريمة منظمة، ورجال أعمال، عبر شبكة توصف بالمعقدة، من البنوك والشركات، ومنذ أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وتتكون شبكة خوري، والتي تعتبر الأكثر تعقيداً، في نظام عملها الذي تعمّد نظام التشابك والتداخل، لزيادة نسبة الغموض وعرقلة التتبع، من أفراد ينتمون إلى عائلة مدلل ذاته، وآخرين بعضهم يحمل الجنسية الروسية. وفيما مدلل على رأس تلك الشبكة، وعاقبته الإدارة الأميركية منذ عام 2015، يأتي اسم عماد، شقيق مدلل، وعاقبته الخزانة الأميركية، في شهر يوليو عام 2016، ضمن مجموعة أشخاص، بتهمة تقديمهم الدعم أو الخدمات للحكومة السورية، ومساعدة برنامج أسلحة الدمار الشامل في سوريا.
اقترب سقوط الأسد ففر خاله بأمواله واستقبله مدلل
ويبرز الاسم الثالث في شبكة مدلل خوري، وهو عطية، قريبه، وكان من المعاقبين لدى الخزانة الأميركية عام 2016، والتي أضافت في تعريفه، بأنه قدم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لصالح لرامي مخلوف، ابن خال الأسد.
الطرف الرابع في شبكة مدلل خوري، هو طوني خوري، ابن شقيق له، ويعمل موظفاً في أحد مشروعات الشبكة الكبيرة. فيما الطرف الخامس، في تلك الشبكة الموصوفة بالأكثر تعقيداً، هي ساندرا، إبنة مدلل خوري، وتعمل مديرة في إحدى الاستثمارات المالية الكبرى.
ويكشف المصدر السابق، بأن مدلل، أصبح اليد اليمنى، لمحمد مخلوف، والد رامي، منذ انتقاله إلى موسكو، عام 2012، وأشارت “غلوبال” إلى أن مؤشرات قرب سقوط الأسد، في ذلك الوقت، دفعت بعائلة خاله محمد مخلوف، لنقل الأموال، إلى روسيا، كملاذ آمن، عبر شراء عقارات بملايين الدولارات، وبمساعدة مباشرة من مدلل خوري. وأكدت المنظمة غير الربحية، أن بعض المشتريات، تمت بأسماء آل مخلوف، فيما كانت المشتريات الأخرى، بأسماء شركات مسجلة في روسيا، فيما توكيلات أخرى كانت باسم حافظ، شقيق رامي مخلوف، الأخير الذي أسس شركة باسمه، هناك، بإدارة مدلل.
من غاز الأعصاب إلى برنامج الأسد الكيمياوي
وتشير وثائق “غلوبال وايتنس” إلى اشتباه بتورط شبكة خوري، بصلات دعم الصناعة العسكرية التابعة للنظام السوري، عبر شركات: تريدويل، للتسويق المحدودة، وشركة بيروسيتي المحدودة، وفرومينيتي المحدودة للاستثمارات، إضافة إلى أن خوري كان على صلة بليونيد رينك، الكيميائي الشهير في حقبة الاتحاد السوفيتي الذي ساهم بإنتاج غاز الأعصاب الذي تم استخدامه لاحقا، في تسميم شخصيات روسية، عام 2018، بحسب “غلوبال وايتنس” التي كشفت دور “شبكة خوري” بنقل الأموال إلى بشار الأسد “الوحشي”.
وحول شبكة مدلل خوري، والموصوفة بالمعقدة، كونها تضم أسماء شركات كثيرة ما بين الوهمية والحقيقية، ويتم تحويل الأموال من خلالها، عبر عدد كبير من البنوك، ورد في المصدر السابق، أن الشركات “الوهمية” التي تعمل بإدارة مدلل، عملت بشراء مواد لبرنامج الأسد الكيميائي والباليستي، عبر واجهات تجارية مجهولة “تحجب المشتري النهائي”.