نشرت، المستشارة الخاصة لبشار الأسد، لونا الشبل سيرة ذاتية حافلة لسيدها، تمهيداً لحملة انتخابات رئاسية، الأرجح ستتعاظم خلال الشهرين المقبلين، لنقرأ ونسمع ما لا نعرفه عن وريث الحكم، من تطوير سورية وتعظيم سمعتها الدولية، ورغد عيش ورفاهية السوريين.
ولم يحالف الصدق، المستشارة الشقراء، بكل ما اختلقته زوراً، عن بشار الأسد، حتى قبل تسلمه كرسي أبيه، من إصلاحات ونشاطات تعدت الشأن السوري والإقليمي، إلا تاريخ ميلاد الأسد “11 سبتمبر 1965” وهو الصدق الذي أريد منه كذب أو كارثة، أي العمر الذي لا يخول ابن حافظ الأسد ليرث أباه، وفق الدستور السوري الذي عدله برلمان الكركوزات عام 2000 خلال دقائق.
من العبث وإضاعة وقت القارئ ربما، إن حاولنا تفنيد “المسخرة” التي أوردتها الشبل بسيرة ومسيرة بشار، إذ كشفت سنون ما بعد التوريث، حتى الأمراض النفسية وبلاهة رئيس الضرورة والغفلة، بعد موت الرئيس المعد مسبقاً “باسل” على طريق المطار.
بيد أن الهروب من هكذا فرض عين، قد يوقع سوريا وشعبها بكارثة جديدة، بعد التساهل بالتعاطي قبل مرحلة التوريث الثالثة عام 2014، واعتماد السوريين على ضمير العالم وعدالة المجتمع الدولي الذين لم يريا ضيراً من تمديد الحكم لمجرم حرب، كان قد قتل زهاء 1300 سوري عام 2013 بغوطة دمشق، بسلاح تدمير شامل، على مرأى ومسمع الجميع.
لذا، سنضيف أمرين اثنين فقط، على ما أوردته “العشيقة” بالسيرة الذاتية وإنجازات بشار الأسد.
الأمر الأول منجزات بشار الأسد، خلال عشرين سنة من بعد حكم أبيه الذي امتد لثلاثة عقود “دام نصف قرن على حكم أسرة الأسد” والذي أوصل سوريا خلالها، للمراكز الأولى على صعيد قتل الشعب وتهجيره، بعد أن هجّر نصف السكان ليبلغ المركز الأول عالمياً بنسبة 8.25% ممن هجرتهم بلادهم بنهاية عام 2020 بعد أن قتل وأعاق نحو مليوني سوري.
وأما الأمر الثاني، فهو فقر السوريين وتجويعهم، بعد أن زادت نسبة البطالة عن 83% والفقر عن 90% لتكون حاويات القمامة، مقصد كثير من السوريين، بعد أن ارتفعت الأسعار بنحو 15 ضعفاً في حين آثر تثبيت الأجور، كحالة قصاص وتخيير، الفقر والإرهاب أو أنا.
وليبتعد الطرح عن الاتهامية من دون أدلة، تقول مراكز بحثية من دمشق، أن تكاليف معيشة الأسرة السورية، ارتفعت من 660 ألف ليرة بداية الربع الثالث من العام الماضي، إلى 732 ألف ليرة حاليا. في حين لا يزيد متوسط الدخول عن 60 ألف ليرة.
ولأي قارئ أن يتفكر، في كيفية تدبر معيشة السوريين، وما يمكن أن يبيعوه ويتنازلوا عنه ويؤجلوه، فقط ليبقوا على قيد الحياة، بعد أن بات الخبز أمنية وحبة الفواكه حلماً، والتعبير عن العوز والموت جوعاً، جريمة تتراوح بين تمويل المتطرفين ووهن نفسية الأمة.
قصارى القول: ربما “الاتفاق بين المعارضة” من أهم ضرورات الرد على “السيرة الذاتية” للأسد وما سيليها من تضليل وحملات ترويجية، والاتفاق هنا لا يقتصر على عدم الوقوع بفخ الترشح مقابل بشار الأسد والانسياق وراء وعود مراقبة الأمم المتحدة، بل بنسف أكاذيب الحلفاء ونشر الحقائق بسيرة ومسيرة وريث السلطة، لوضع كل من يدعم بقاء الأسد، بالسطلة أو خارج قاعات المحاكم، بورطة الشريك والمتستر على المجرم.
ولكن، لو سألنا السوريين الآن، كم عدد الشهداء الذين قتلهم بشار الأسد وعصابته، منذ مطلع الثورة حتى اليوم، كم عدد المغتصبات، كم عدد المعتقلين وكم وكم بعدد جرائم الترويع المستمرة على عشر سنوات.
أرجح الظن، ليس هناك من إجابات محددة أو “اتفاق” حول حملات مضادة للرد على ما نشرته المستشارة الخاصة” الشبل” أو ما سنراه من ترويج تدريجي لبقاء ابن أبيه على الكرسي، على أنه الضامن الوحيد لأمن جميع السوريين، وبحال اختلاف الروايات وتباين أرقام القتلى والمغتصبات والمهجرين، ستكون الكارثة الكبرى التي سيتكئ عليها الأسد ومروجوه، بأن ادعاءات السوريين كيدية لإبعاد الرئيس السوري عن متابعة الإصلاح والتطوير وهزيمة المؤامرة الكونية..فانتهبوا !!
نهاية القول: تتضارب أرقام القتلى السوريين، منذ بداية الثورة حتى اليوم، وفارق التضارب يصل لدرجة الهائل، ففي حين تقول منظمات دولية أن عدد القتلى 200 ألف سوري، تقول أخرى سورية ودولية إن القتلى تجاوزا 400 ألف سورية ويدلو المرصد السوري لحقوق الإنسان، بدلوه بالقول: إن عدد القتلة بلغ 380 ألفاً و636 شخصاً، بينهم أكثر من 115 ألف مدني، منهم نحو 22 ألف طفل، وأكثر من 13 ألف امرأة.
والحال ينسحب على المعتقلين والمغتصبات والمهجرين، ما يعني “الاختلاف لا الاتفاق” قد يكون نقطة ضعف بدل أن يكون دليل الجريمة القاطع، وربما يستغله “الآخر” سواء حملة الأسد داخل سورية أو أنصاره والشركات المنتفعة بالخارج، لدحض مقولة المعارضة ووصفها بالكذب والتهويل.
وهنا، يقفز ما استغلته آلة الدعاية الصهيونية، بعد مجزرة جنين “الجدار الواقي” عام 2002 حينما بالغت بعض وسائل الإعلام العربية بعدد القتلى، فتركت إسرائيل والعالم مقتل 1300 فلسطيني بأول مذبحة بالقرن العشرين، ومسكت المبالغة والتهويل وقلبت الطاولة على الفلسطينيين.
إذا، يكفي السوريين اليوم، أن يتفقوا على عدد القتلى تحت التعذيب، وهو رقم موثق بعد أن دوّله “قيصر” وحوّله لقضية رأي عام عالمي، ويكفي اعتماد قتلى الكيماوي بالغوطة، وهما جريمتان لا يمكن للأسد ومستشارته ولا لمروجيه، دحضهما أو إشراك المعارضة بهما، ويكفي التذكير بعدد المهجرين الذين يؤرقون العالم المتحضر، للانطلاق منهم بتعرية جرائم الأسد، لتحويله من مرشح رئاسة إلى محاكم “لاهاي” وإضافة، للتاريخ والأجيال، ما فات لونا الشبل ذكره بالسيرة الذاتية.
*عدنان عبد الرزاق – من كتاب “زمان الوصل”