يتطور طرح المعارض السوري، كمال اللبواني باضطراد، فمن شيطنة جلّ المعارضة، إن لم نقل جميعها، والخروج منها وعليها، لوضعها بكفة مقابلة لنظام الأسد، أو اتهامها بالآونة الأخيرة بالتواطؤ مع الأسد والتآمر على الشعب السوري وقضيته، وإطلاق مواعيد “قطعية” لمصرع الأسد أو بيع روسيا له بعد إتمام دوره الوظيفي، وتوجيه نصائح “من عدو لدود لكنه سوري” لرأس النظام السوري، حول نشاط دبلوماسي وربما عسكري سيحدث بدائرة الأسد الضيقة، وضرورة خروج الأسد لئلا يواجه مصير القذافي وصدام وعلي عبد الله الصالح “افعلها وقل كمال نصحني أو فإنني مضطر لانتظار سماع خبر مصرعك الذي لن يتأخر كثيرا في هذا الصيف”، وغير ذلك من وعود ووعيد وتصريحات غلبت على أداء اللبواني السابقة.
أو حتى ما قبلها، من رسائل يمكن قراءتها بأن المعارضة السورية مرتزقة تأخذ أموالاً وتمويلاً خارجياً “الولايات المتحدة” أو حتى فخ التطييف الذي وقع اللبواني به مراراً.
إلى طرح مختلف البتة اليوم، طرح يمكن وصفه بشكل عام بالسياسي الذي يأخذ المصالح، وليس العواطف والرغبوية، بوصلته، طرح ينطلق من الواقع المتأزم وليس من الأماني، طرح فيه من الواقعية ما قد يصفع للوهلة الأولى، لكنه أقرب للدواء المرّ، فما قصة كمال اللبواني الذي يؤثر توجيه الرسائل للسوريين ومحاولاته المستمرة، الغمز بأن لديه معلومات خاصة وإشارات واضحة بأن الحل السوري شارف على نهايته..وانتظروا الفرج بتاريخ كذا والحدث المزلزل بيوم كذا.
ربما من الضرورة الإشارة إلى أمرين، أثرا بشكل أو بآخر على مصداقية طرح كمال اللبواني، فغدا كما الراعي الذي يستنفر كذباً أهالي القرية لغزو الذئاب، للحد الذي لم يصدقه أحد، حينما هجمت الذئاب فعلاً على قطعانهم.
الأمر الأول، زيارة اللبواني إلى إسرائيل في سبتمبر 2014، وفي ذلك التاريخ، لم تكن المعارضة والسوريون من اليأس، بحيث يبررون “التحالف مع الشيطان لإسقاط الأسد” فببساطة لم تكن روسيا قد دخلت الحرب على الثورة إلى جانب الأسد، ولم تكن من غلبة للنظام أو انزياح وقنوط من المعارضة ولديها، ما يبرر تلك الزيارة، والتي لا تبرر حتى اليوم بنظر جل السوريين، رغم كل الاشتغال على تغيير ترتيب العداوات ومقارنة ما قتلته إسرائيل بجرائم إيران أو حملات الهرولة الخليجية لحضن الجار الديمقراطي.
ولعل تبرير اللبواني وظهوره وقتذاك على قناة 124 الإسرائيلية الناطقة بالعربية، زادت من إشارات الاستفهام والتعجب حول هذا المعارض، فأن تشارك بمؤتمر “سياسات مكافحة الإرهاب” بذريعة أن “أنا هنا لأن الغائب الوحيد عن القرار الدولي اليوم هو الشعب السوري، فيجب أن نُسمع صوته وأن ننقل معاناته، ونقول إن هناك شعبا معتدلا قادرا على أن يكون شريكاً في التحالف الدولي ضد الإرهاب” فهذا ما لا يمكن أن ينطلي على السوريين الذين رأوا بالزيارة، تسويقا ذاتيا ربما لحلم اللبواني برئاسة سوريا.
كما، لم يعد يخفى على السوريين، أن حماية الأسد وأهم داعمي بقائه على كرسي أبيه، هي بعهدة تل أبيب، وفهم السوريين وقناعتهم هذه، متشكلة منذ سلم الأب الجولان عام 1967 وتعززت وقت خلال الثورة، حينما خاطب رامي مخلوف في مايو 2011 تل أبيب عبر صحيفة “نيويورك تايمز” بأن النظام السوري لن يستسلم بسهولة وسيقاتل حتى النهاية.
و”لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا”.
وأما الأمر الآخر، هو عدم مصداقية طرح اللبواني ووعوده الكثيرة للشعب السوري، والتي تكررت مرات ومرات، كان آخرها حينما وجه اللبواني رسالته لبشار الأسد ووعده الشعب، بأن الصيف المقبل، أي الماضي “أخاطبك عن اطلاع بكل ما يخطط لك، حتى أنه يمكنك اعتباري أحد المشاركين في تصميم عملية إزاحتك…افعلها وقُل كمال نصحني، أو فإنني مضطر لانتظار سماع خبر مصـرعك الذي لن يتأخر كثيراً.. في هذا الصيف”، وذلك بعد وعوده وتأكيده بـ”حل دولي قبل نهاية العام” أي العام الفائت.
ولكن، ورغم هذين المأخذين على كمال اللبواني، بل ورغم الادعاء المستمر بقربه من مطابخ السياسة العالمية واطلاعه على خفايا الأمور وما تخططه الدول الكبرى، نرى ويلاحظ كثيرون، أن طرح الرجل اختلف، ودخل مرحلة جديدة، منطلقها السياسة ومنتهاها المصلحة العامة لسوريا والسوريين، فترى ما الحكاية إن كان اللبواني يعلن خلال تسجيله الأخير، أنه لا يطمح ولا يريد منصباً بل ويشير إلى الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري، ضمن ذكره لضرورة طرد جميع المحتلين بعد أن تستقر سوريا وتنتخب رئيساً.
لئلا نخلط، ربما من الضرورة سماع ما قاله اللبواني حول عدم رغبته بمنصب أو حتى طرد إسرائيل، بأذن سياسية، أي جاء هذا الطرح ضمن مقتضيات التحول، فإن قال إنه لا يرغب بدور مستقبلي، أعاد وكرر أنه ضمن من سيحاسب ويكلف من سيقوم بدور خلال المرحلة الانتقالية، وإن ألمح للاحتلال الاسرائيلي فلأنه شعر بحساسية “التطبيع” أو التنازل لدى معظم السوريين رغم كل حالات اليأس الخذلان التي يعيشونها، كما أن إسرائيل، لا تغضب من الفتوحات القولية التي تأتي ضرورية لتحقيق غايات كبرى ومتفق عليها.
خلاصة القول أمران.
الأول أن كلام اللبواني الذي ترى نخب وساسة سوريون، أن مبعثه البحث عن الضوء وكثرة التداول وأن مقتل الرجل بإهماله، يراه -الطرح- كثيرون أملاً، إذ يغلب بمراحل القنوط، المعيار العاطفي ويتعلق الجميع بقشة، للهروب من غرق يقترب، إن للنازحين بالمخيمات أو للرهائن بمناطق الأسد الذين يدفعون أثمان صمتهم، من بطونهم وكرامتهم.
آخذين بالاعتبار، أن كمال اللبواني كاريزيمي وذكي، بمعنى أنه يجيد حبك القصص لدرجة الاقناع، بمجرد التقط معلومة أو وصلته إشارة، ولكن، إن خرجت طروحات اللبواني الحالية كما سابقاتها، فأي تأثير ودور سيبقى له.
وأما الأمر الآخر والذي أعتقده جديداً ومهماً بآن، فهو طرح اللبواني “الوطني” خلال رسائله الأخيرة، والذي أخذ بالاعتبار جميع مكونات السوريين والجغرافيا السورية، وألح على سوريي الداخل بإعلان موقف أو إعطاء إشارة للقبول بالمشروع الوطني، وليس بالأشخاص، والمشروع الذي أتى عليه اللبواني، وطرحه ويطرحه كثيرون، هو المنطق للخلاص السوري، خاصة أن المشروع لا يسقط أساسيات الثورة وخطوط السوريين، وبمقدمتهم زوال وريث السلطة بشار الأسد.
كما بلغ اللبواني من السياسة، خلال طرحه الأخير، حدود المنطق والاقناع، عبر ضرورة صياغة مشروع سوري، يقدم للدول الفاعلة لتقاربه مع مصالحها، وعدم الاعتماد، كما جرت العادة، باستجداء تلك الدول، لإيجاد حل للسوريين.
كمال اللبواني حالة علانية مهمة ومؤشر عن نماذج كثيرة ضمن المعارضة السورية، لكن المختلف عنده، أنه يجهر ويقول، وإن بعض ما يفكر أو يوحى إليه، فهذي برأينا إيجابية تعطيه نقاط قوة عن الذين يصادرون عنوة تمثيل السوريين، فيعملون بما يوحي أو يطلب إليهم، ولكن بالسر ووراء غرف اجتماعات اقتسام كعكة خراب سوريا وفق مصالح الآخر…ويهملون مصالح السوريين ويخفون عنهم التآمر والتبعية…وللحديث بقية.
* من كتاب زمان الوصل