شهدت مناطق سيطرة النظام السوري خلال الأسابيع القليلة الماضية تصاعداً في ظاهرة “استيفاء الحق باليد” والتي تقوم على تحصيل المجني عليه حقوقه بعيداً عن الأجهزة الأمنية والقضاء.
وأقدم مجموعة من أبناء بلدة “نمرة” بريف السويداء الشمالي يوم الاثنين الماضي على اقتياد شخص وتعليقه في ساحة البلدة بعد إلقاء القبض عليه بتهمة سرقة هواتف محمولة وكابلات كهرباء ومازوت، وذلك وفقاً لما ذكرت مصادر محلية.
وبحسب المصادر فإن الشخص الذي تم تعليقه في ساحة البلدة يعتبر من أصحاب السوابق في السرقة، وتم ضبطه عدة مرات من قبل قوات النظام السوري التي كانت تقوم في كل مرة بإطلاق سراحه بعد الحصول على مبلغ مالي.
وفي السادس عشر من الشهر الجاري، قام مجموعة من أهالي حي “الرادار” في مدينة طرطوس غربي سوريا بتقييد شخص على أحد أعمدة الكهرباء وضربه وتعذيبه أمام المارة، بسبب الاحتيال عليهم وأخذ مبالغ مالية منهم لقاء الحصول على شقق سكنية ونصبها عليهم.
سبق ذلك وتحديداً في التاسع من شهر شباط فبراير/ الحالي، تداول ناشطون على مواقع التواصل صورة لشاب معلق في ساحة “دوار الجرة” وسط مدينة “نوى” بريف درعا الغربي، وعلى صدره ورقة مكتوب عليها “حرامي رقم 1″، وذلك إثر إلقاء القبض عليه وهو يحاول سرقة درجة نارية.
ولاقت تلك الحوادث ردود فعل متباينة بين أهالي المناطق التي وقعت فيها ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد لها واعتبارها حلاً رادعاً لمشكلة ارتفاع عدد السرقات وغياب السلطات الأمنية، في حين استنكرها آخرون واعتبروها أنها “جريمة”.
وحول أسباب لجوء المقيمين في مناطق سيطرة النظام إلى هذه الطرق في تحصيل الحقوق، أوضح القاضي “خالد شهاب الدين” رئيس هيئة القانونيين السوريين وجود عدة عوامل أدت إلى انتشار هذه الظاهرة، كضعف القضاء بشكل عام واستشراء الفساد داخله.
وأضاف “شهاب الدين” في حديث لـ”نداء بوست” أن النظام السوري منح الميليشيات التي شكلها بعد اندلاع الثورة والأفرع الأمنية صلاحيات واسعة وأعطاها الحق في التدخل بعمل السلطة القضائية التابعة أساساً للسلطة التنفيذية، الأمر الذي أدى ضعف القضاء وفقدان عامة الشعب الثقة به وبأحكامه.
ويضاف إلى ذلك -بحسب شهاب الدين- “فقدان هيبة الدولة وعدم السيطرة على المؤسسات العسكرية والأمنية ووجود الميليشيات التي هي خارج سلطة القانون، وضعف سلطة القضاة أمام تلك المجموعات القادرة على تنفيذ أي حكم أو أي قرار يحقق مصالحها”.
وأضاف: “القضاء في سوريا يطبق على الضعيف فقط ولا يمكن أن يتدخل أو يصدر حكم إذا كان أحد أطراف القضية عنصر في الميليشيات أو محسوب عليها، كما يحصل في قضية غصب العقارات والاعتداء على حقوق السوريين في شتى المجالات”.
وأشار إلى أن من بين تلك الأسباب انتشار الفساد في القضاء وتلقي القائمين عليه للرشاوي وتدخل الفروع الأمنية بعمله بشكل كبير، موضحاً أن التعيينات في السلطة القضائية باتت تقوم على أساس الولاء لـ”بشار الأسد” والقرب من ضباطه.
وأردف: “مجلس القضاء الأعلى في سوريا مسيس وتابع بشكل مباشر للسلطة التنفيذية في تكوينه وتشكيله ويرأسه بشار الأسد وينوب عنه وزير العدل”، مضيفاً أن ذلك يعتبر أحد أهم أسباب فساد القضاء إضافة إلى ضعف الراتب الشهري للقضاء وتهميشهم وتفضيل أفرع المخابرات عليه بهدف دفعهم إلى أخذ الرشاوى.
جدير بالذكر أن النظام السوري لم يعلق على تلك الحوادث كما لم يتخذ أي إجراءات لمحاسبة مرتكبيها أو لضبط الأمن في مناطق سيطرته ووضع حد لارتفاع عدد السرقات التي ظهرت نتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية وانتشار البطالة وغلاء الأسعار.