خلصت دراسة أجرتها “مبادرة الإصلاح العربي”، إلى أن الحرب السورية التي قتلت نحو 600 ألف شخص، وتسببت في نزوح الملايين، قد تمتد آثارها لعقود بسبب الأثر الكارثي الذي تركته على مستوى البيئة والمناخ بشكل خاص.
وتحدثت الدراسة عن تلوث الهواء، نتيجة استخدام الأسلحة الثقيلة والذخيرة الملوثة، وتذبذب عمليات التزويد بالمياه الصالحلة للشرب، مؤكدة أن تعيش سوريا اليوم كارثة أخرى قلّما التفت إليها المتابعون للشأن السوري.
ووفق الدراسة، فقد عرفت سوريا من مستويات عالية من تلوث الهواء حتى قبل اندلاع الحرب، ففي عام 2010 ، تعرض نحو 69 في المئة من السكان لمستويات عالية من الجسيمات المضرة السابحة في الهواء، ونتج هذا المستوى المرتفع من تلوث الهواء عن الانبعاثات الصناعية وانبعاثات المركبات وحرق النفايات والتلوث الموسمي.
في البداية أدى اندلاع الحرب إلى خفض النسبة المئوية للسكان المعرضين للجسيمات (بنسبة 7 في المئة خلال عام 2011) ، حيث فر الناس من المدن بأعداد كبيرة وانخفض النشاط الصناعي واستهلاك الطاقة، ومع ذلك، بدءا من عام 2012 ، انعكس الاتجاه ووصل ذروته إلى 72 في المئة في عام 2015.
ولفتت الدراسة إلى أن تقديرات الوفيات الناجمة عن الأمراض المتعلقة بتلوث الهواء، زادت بنسبة 17 في المئة بين عامي 2010 و 2017 ، لتصل إلى إجمالي 7684 شخصا، وتمثل الإعاقات المتعلقة بالجسيمات معدل 1625 لكل 100 ألف شخص في سوريا.
وتؤثر معدلات الوفاة والعجز المرتفعة هذه على تكاليف الرعاية الصحية، إذ يقدر العبء الاقتصادي للمرض والوفاة المبكرة المرتبطة بتلوث الهواء في سوريا بما يتراوح بين 0.6 و 1.42 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضحت الدراسة أنه بين عامي 2012 و 2019 ، خسرت سوريا 20.4 في المئة من مجموع الغطاء الشجري، وحدث جزء كبير من الخسارة في محافظتي اللاذقية وإدلب، اللتين فقدتا 10 في المئة و 27 في المئة من مساحة الغطاء الشجري على التوالي بين عامي 2011 و 2014 (و 89 في المئة من إجمالي فقدان الغطاء الشجري في سوريا).
وبحسب الدراسة، ارتبط استنفاد الغطاء الشجري بمجموعة متنوعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية المختلفة المتعلقة بالنزاع، بما في ذلك حرائق الغابات المتكررة وقطع الأشجار غير القانوني والتوسع الزراعي وإنتاج الفحم وضعف مؤسسات الدولة في إدارة الموارد الطبيعية والتنمية البيئية.
وقبل الحرب، كانت سوريا تعاني بالفعل من نقص في الموارد المائية نتيجة لمحدودية الاحتياطيات الطبيعية في البلاد ومعدل النمو السكاني المرتفع، وبدأ نضوب المياه الجوفية في أوائل الثمانينيات وتفاقم مع التوسع في زراعة الري، ولعب تغير المناخ دورا مهما في تفاقم الجفاف وإلحاق أضرار جسيمة بالموارد الزراعية.
كما أدى النزوح الداخلي والهجرة إلى المناطق الحضرية – وفق الدراسة – إلى زيادة الضغط على مياه الشرب، وبخاصة، في ضواحي المدن، حيث أصبحت مياه الشرب متاحة لمدة لا تزيد عن أربع ساعات في اليوم، بالإضافة إلى عدم كفاية إمدادات المياه، فإن المشاكل الإضافية مثل التلوث وعدم كفاية الصرف الصحي لمصادر المياه تفرض تكاليف عالية على شكل أمراض ووفيات تنقلها المياه.
وقالت إن سوريا كانت في فترة ما قبل الصراع تعاني من مشكلة النفايات الخطرة بسبب عدم وجود أنظمة مناسبة لإدارة النفايات، ومع الإغلاق التام لخدمات إدارة النفايات التي تديرها الحكومة، خلقت الحرب مشكلة كارثية في التخلص من النفايات وساهمت في إنتاج نفايات خطرة إضافية من خلال الحرق والرمي العشوائي وغير المنضبط وفق ذات الدراسة.
وأدى تدمير الصناعات والمستشفيات والمدن إلى إطلاق مستويات عالية من السموم في الهواء والمواد الكيميائية المتسربة إلى التربة وموارد المياه الجوفية، وتشير التقديرات إلى أن إنتاج النفايات الصلبة يصل إلى 850 طنا يوميا – وهو ضعف الكمية التي كانت تسجل قبل الحرب.
وتقول الدراسة أن القصف المتواصل في سوريا على مدى سنوات، أدى إلى إثارة التربة، مما جعل من السهل نقلها عن طريق الرياح والمياه، وزاد من حدوث العواصف الترابية، كما تسارعت وتيرة تآكل التربة بسبب التغيرات في الغطاء النباتي – نتيجة للطلب المرتفع على الموارد الطبيعية وكذلك توسع المناطق الحضرية أثناء الصراع بسبب تحركات السكان.
وتتعرض أكثر من 85 في المئة من الأراضي الزراعية في سوريا لتعرية التربة، وانخفض استخدام الأراضي الصالحة للزراعة بنسبة 21 في المئة بين عامي 2010 و 2014، وأدى الاستغلال الكبير للأراضي الهشة، لا سيما في منطقة زراعة المحاصيل الرئيسية التي كانت أيضا موقعا للقتال العنيف الممتد على طول الساحل الغربي وشرقًا على طول الحدود الشمالية مع تركيا إلى مزيد من التدهور وفق التقرير.
ومبادرة الإصلاح العربي، هي مؤسسة فكرية، تعمل بالشراكة مع 20 مؤسسة أخرى كمورد للمعرفة الحصرية عن حكومات ومجتمعات المنطقة العربية.