وكأن القصف الإسرائيلي داخل الأراضي السورية أصبح كلمة السر أو الشيفرة المُتَّفق عليها بين عصابة الإجرام الأسدية – الخامينائية وإسرائيل، لتقوم تلك العصابة وحُماتها بقصف مناطق السوريين المحاصرة في جبل الزاوية أو درعا البلد أو غيرها. فما إن تخرج تلك الصواريخ أو الطائرات الصهيونية، حتى يبدأ استهداف المدنيين السوريين.
لعبة الدم هذه أصبحت واضحة حتى للحيوانات؛ ولكنها لا تزال عصيّة على بعض الأدمغة المصنوعة من الرذيلة والذل؛ والتي تستمر بالحديث عن “المقاومة”، وتعتقد أن منظومات الأسد وخامينائي و”حزب الأمنيوم” مقاومون وممانعون. وحقيقة الأمر؛ إنها الدليل القاطع على فقدان نظام الأسد لأي شرعية، ليس لأنه لا يرد على الاعتداء الصهيوني، بل لأنه يقتل السوريين دعماً وخدمةً لإسرائيل.
أما في الجانب الإيراني، فابتلاء المنطقة العربية بإسرائيل وحرصها على تدمير محيطها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً واضح، ولا يحتاج لكثير من البحث والإثبات؛ ولكن الابتلاء الذي يكاد يفوق ذلك خطراً هو بإيران الخامينائية الفارسية. فهذه العلة تأتي من داخل البيت، تلبس لبوسه؛ ثقافتها ودينها وهمومها افتراضياً مشتركة معه؛ وأهدافهما ظاهرياً واحدة: مواجهة الغرب المتربص الطامع بالمنطقة.
ولكنه رغم المشتركات، يتكشف عداء تلك الطغمة الخامينائية للعرب عامة بأبشع صوره من خلال سيطرتها على أربع عواصم عربية مستخدمةً أدوات جديدة مبتكرة تجاوزت “التقية” كاشفةً كراهية متأصلة في تاريخ فارس، باعثةً روح كسرى. فعندما يدعو “مصطفى بادكوبه” -الدارس في حوزة “قم” وشاعر إيران الأول- إلى ترك الإسلام لعروبته، ويخاطب الرب قائلاً: “خذني إلى أسفل السافلين في جهنم، أيها الإله؛ شريطة ألاّ أجدَ عربيا هناك، أو أسمع حرفا من اللغة العربية”. وحين يقدّم رئيس إيران السابق “أحمدي نجاد” لبابا روما عندما زاره كتاب “الشاهنامة” للفردوسي الإيراني؛ والذي يعتبره الفرس قرآنهم؛ ويقول له: “هذا كتابنا”؛ ألا يدل ذلك على كره متأصل في تلك النفوس تجاه مَن هُم افتراضياً “أهلهم”؟!
وإذا تركنا الجانب الروحاني ودخلنا في الزماني، ألم يتضح بعد ذلك المشروع الفارسي بلبوسه الخامينائي الجديد من خلال خطة الخمسين عاماً، والتي بدأت من السيطرة على البحرين العربية مروراً باليمن فالعراق فلبنان فسوريا؛ والأردن ومصر والسودان والمغرب العربي على الطريق؟!
رغم إعلانها العداء لإسرائيل وحديثها عن إزالتها، وهتافاتها “بالموت لأميركا” ووصفها “بالشيطان الأكبر”؛ وخلال حربها لثماني سنوات على العراق، ألم تكن تلك “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” معتمدة على الأسلحة التي تصلها حصراً من إسرائيل وأميركا؟! وهل زالت من الذاكرة فضائح “الكونترا” التي كشفت توريد السلاح لجمهورية الملالي الفارسية؟! وهل يغيب عن الأذهان التواصل بين حاخامات إسرائيل وملالي طهران، أو الاستثمارات الضخمة بين الكيان وإمبراطورية فارس “الجمهورية الإسلامية”؟!
لقد كان قفز الفرس إلى سوريا- واسطة العقد في مشروعهم- هو الأصعب؛ حيث لم يكن حافظ الأسد تابعاً في تلك العلاقة معهم؛ بل أقصى ما طمحت إليه إيران هو إشراكه بالمشروع تكافؤياً. إلا أن موته، واستلام وريثه، كان فرجاً على الملالي. ومن هنا غيّروا وصفهم لانتفاضات بلاد عربية عام 2010 من “النهوض الإسلامي” إلى “مؤامرة كونية”؛ وتحديداً عندما انتفض الشعب السوري. وهنا استغلوا الفرصة؛ وكان تدخلهم المباشر، بداية “لحماية المراقد الدينية” من “الإرهاب” الشعبي السوري وصولاً إلى تدخلهم العسكري المباشر عبر جيشهم الحقيقي، الحرس الثوري الإيراني.
تغلغلت إيران في النسيج الثقافي الاجتماعي في سوريا، وسعت لتخريبه، مستغلّة استبداد السلطة والانهيار الاقتصادي والفقر؛ فصنّعت المخدرات ونشرتها. دخلت في كل شاردة وواردة في القضية السورية من استدعاء روسيا عسكريا، إلى “أستانا”، إلى ترويق الأمور مع تركيا، إلى الاحتكاك المفيد والمشَرعِن مع إسرائيل، إلى إحكام القبضة على أنفاس لبنان ومصيره وتحكم أداتها حزب الشيطان به، إلى استخدام كل ذلك ورقة مساومة في مشرعها النووي، وصولاً إلى السعي لوضع اليد على الأردن ومسك القضية الفلسطينية أكثر عبره، وتطويق دول الخليج أكثر.
ا- رغم قدرة إسرائيل الوصول إلى الأراضي الإيرانية- وخطابها الحماسي التهديدي المتوتر تجاه إيران ومشروعها النووي، ليس أكثر من مسرحية سمجة يصعب أن تنطلي إلا على تلك الأدمغة المصنوعة من الرذالة والذل والغباء. فكما أراح حافظ الأسد الصهاينة من جانب الجولان، ها هو مشروع الملالي يتماهى مع مشروعهم، فيحوّل سوريا إلى ساحة صراح تمثيلية بينهما لاستكمال مشروع صهيون – فارس.
ومن هنا، لقد دفع العراق ولبنان واليمن وسوريا كل ما عليهم من واجب؛ لقد دفعوا الفاتورة مضاعفة من أرواحهم ودمائهم في وجه هذه الأفعى مزدوجة الرأس؛ وبقي أن يستفيق إخوتهم في كل بلاد العرب ويصحوا لما هو قادم؛ حيث لن يستثني هذا المشروع منهم بلدا. عليهم أن يتذكّروا كَم كان عمر بن الخطاب حكيماً وبعيد نظر عندما قال: “ليت بيننا وبين فارس جبل من نار”؛ ولو كان حيّاً، لتمنّى وجود جبلين؛ ولربما ما كنّا وصلنا إلى هنا!