فيما كان سكان المخيمات من النازحين واللاجئين السوريين وسط العاصفة الثلجية، يعانون البرد الشديد وفقدان الضرورات الحياتية من غذاء ودواء ووقود للتدفئة مع توقف معظم خدماتهم، وزيادة صعوبات عيشهم، وتركز همهم الأساسي في خروج آمن من الصراع مع العاصفة، انشغل سوريون آخرون بنقاش واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، تناول العاصفة الجليدية وسابقتها العاصفة المطرية التي تركت الشهر الماضي بصماتها على المخيمات، والسبل الممكنة لمساعدة سكان المخيمات في الخروج سالمين من أتون العاصفة.
انشغال السوريين بنقاش الموضوع، أمر بديهي، بل ومطلوب، لأنه يعكس اهتمام السوريين ببعض اهلهم من الواقعين في دائرة الخطر، والعمل على إخراجهم منها بأقل الخسائر، بل ان الهدف الابعد، كان في السعي نحو وقف تتكرر التداعيات السلبية للعواصف الثلجية والمطرية، ويصير سكان المخيمات خارج آثارها المدمرة.
واذا كان قول، ان النقاش في فكرته وأهدافه أمر ضروري ومفيد، فان مجريات النقاش وبعض محتوياته اخذت الامر الى غير أهدافه، واثرت سلباً في بعض الأوساط، وبعض الاطروحات، ظهرت وكأنها في خدمة نظام القتل والإجرام الأسدي الذي كان السبب الرئيس لنزوح السوريين وتهجيرهم وسكنهم في المخيمات، وجعلهم يعانون ما يعانونه من مشاكل ومصائب، ولعل الإشارات السريعة التالية تبين بعض تلك السلبيات وتناقشها.
أول الإشارات، يتصل بما ورد في النقاش عن حجم المساعدات التي ترسلها الدول والمنظمات الدولية وهيئات الإغاثة، والتي يرسلها سوريون، ولا يورد القائلون بها اي ارقام او احصائيات، بل يكتفون بالقول انها مليارات او مئات الملايين، ورغم أن الفرق حقيقي بين التقديرين، فهما لا يعنيان شيئاً سوى اشارة الى ضخامة المساعدات، وهو أمر غير صحيح مقارنة بظروف السوريين الذين يتجاوز عددهم خمس وعشرين مليوناً منهم تسعين بالمائة تحت خط الفقر حسب الأرقام الاممية، اضافة الى ان أكثر من عشر سنوات مرت على الصراع، بما تركه من دمار وفقد للموارد، فان مليارات الدولارات لا تغطي احتياجات اصحاب الحاجة، اضافة الى نقطة يتجاوزها القائلون بالحجم الكبير للمساعدات، وهي أن المانحين من دول وهيئات، انما يصرفون نحو نصف تلك المساعدات باعتبارها مصاريف تشغيل، يأخذ الحصة الأساسية منها موظفون من جنسيات تلك الدول أو الهيئات والمنظمات، وتتدخل الدول التي تمر عبرها المساعدات مثل لبنان والأردن ونظام الأسد بالباقي من المساعدات، وتستولي على نسبة تصل في الغالب الى عشرين بالمائة، مما يجعل التقديرات حول ضخامة المساعدات، أمر مبالغ فيه، خاصة وان الاخبار تتواصل حول تراجع برامج المساعدات سواء من ناحية الدول أو من ناحية الهيئات والمنظمات ذات العلاقة، وحجة كورونا بين مبررات هذا التراجع.
الاشارة الثانية، ان بعض المشاركين في النقاش، اعتبروا مناقشة موضوع المخيمات وما تواجهه أمر مكرر، وكأنهم وبعضهم قالها بصورة صريحة، انه لا فائدة من نقاش لا يغير في الواقع شيئاً خاصة وان العواصف ما يتبعها يتكرر سنوياً, إذ لا يمكن للكلام أن يتحول الى إعانات، تشمل لباس وغذاء وغيرهما، وان يحمي سكان المخيمات مما يواجهون, واعتقد ان هذا الكلام وما ينتج عنه من موقف غير صحيح, لان من الطبيعي والضروري، أن تظل القضايا المهمة في حياتنا وحولها ومواقفنا منها مطروحة للنقاش، وحيث استطعنا، ولا يجوز أن نتجاهلها، ونذهب الى يأس وإحباط بحجة أنه لا فائدة من الكلام عنها سواء لقلة اهتمام الناس فيها، او بحجة عدم جدواها، وتحت لافتة: شو نفع الكلام, بخلاف ما تؤكده الحقيقة من أن الكلام هو مقدمة تغيير الوقائع في حياة الناس.
الاشارة الثالثة التي ظهرت في النقاشات، ركزت على أن غالبية السوريين عاجزين عن تقديم الدعم وخاصة المالي، وهذا يشعرهم بالذنب، ويجعلهم عازفين عن نقاش ما يصيب المخيمات والكوارث التي تقع على رأس سكانها، وفي هذا يمكن القول، انه ليس مطلوباً من اي احد اكثر مما يستطيع، من استطاع كلمة طيبة للضحايا، او اتصالاً هاتفيا مع بعضهم بما فيهم الاقارب والاصدقاء ومواساتهم فهذا جيد، ومن تمكن من ارسال مساعدة من مال أو البسة او مواد غذائية مهما كانت الكمية، فإن جهده مهم، ويمكن للبعض أن يجمع مساعدات قليلة من مقربين ومعارف، يحبون ان يفعلوا ذلك، ويرسلها بطريقة ما.
وللحق، فإن واحداً من الاصدقاء أشار الى نمط مميز في مسار دعم ومساندة سكان المخيمات عبر السعي الى تحويلها الى قضية رأي عام في المستويين الاقليمي والدولي عبر القيام بفعاليات تضامنية، تشمل جهوداً اعلامية ودعائية واعتصامات أمام السفارات والممثليات وأمام مقار المنظمات الدولية مثل وكالة الغوث ومنظمة الصحة العالمية واليونسيف في العواصم الكبرى والهامة، التي يتواجد فيها سوريون لدفعها من أجل فعل مايمكن لمواجهة ما يحصل، بل يمكن للاعتصامات، أن تكون أمام بعض سفارات الدول المؤثرة في الملف السوري لحثها على فعل ما يبدأ من الدعم والمساندة وصولاً الى اطلاق مسار تسوية للقضية السورية، ويمكن يشارك كتاب واعلاميين سوريين واصدقاء لهم في الحملات، أن الطريق واسع ومتعدد المسارات، اذا رغبنا في السير عليه.
الإشارة الخامسة، التي تكررت في النقاش، ولابد من تناولها في هذا الحيز، قول كثيرين، أن المساعدات، والتي يقال انها كثيرة جداً لا تصل الى اصحابها، وانها تسرق او تضيع في الطريق إليهم، وبعض من قال ذلك شخصيات معروفة وصديقات وأصدقاء اعرفهم شخصياً من سنوات طويلة، واعرف موضوعيتهم، وما قدموه لأهلهم في السابق، وفي هذا يمكن القول، أن السوريين ليسوا أنبياء ولا ملائكة، انما هم بشر فيهم الصالحين ومنهم خطاة ومرتكبين، بل ومجرمين مثل بشار الأسد وأركانه وشبيحته، واعتقد ان في موضوع المساعدات هناك مبالغة من حيث كثرة المساعدات، وتعرضها للسرقة, غالباً هناك بعض المحاباة وسوء التوزيع، واستيلاء على بعض المساعدات أو أجزاء منها من قبل بعض الانظمة وسلطات الأمر الواقع وجماعات مسلحة وأشخاص نافذين بلا ضمائر، لكن ما سبق كله، ينبغي أن لا يمنعنا من إرسال المساعدات، والبحث عن طرق آمنة لوصولها لا الامتناع عن إرسالها، وإطلاق كلام غير مدقق ولا مسنود، يخدم النظام، ويكرس كلامه عن مساوئ السوريين الذين ثاروا عليه.
اشارة سادسة واخيرة، يمكن أن تكون خاتمة هوامش في نقاش موضوع كارثة المخيمات، تتضمن قيام النخبة السورية بخطوات ضرورة لمواجهة ما يحصل، ولعل البداية تنطلق من الممسكين بمواقع قيادة هياكل الثورة والمعارضة والجماعات السياسية، وقادة منظمات المجتمع المدني والتشكيلات المسلحة، التي مازالت ترفع صوتها باسم الثورة، ونقول لهم صراحة: آن لكم ان تفعلوا شيئاً بعد كل ارتكاباتكم واخطائكم من أجل الناس وخاصة الذين تتصرفون بمقدراتهم، وتستمدون منهم وبسببهم اموال تشغيلكم وتعزيز مكانتكم، كما يفترض التحرك نحو الخيرين من رجال المال والأعمال السوريين الذي قدموا على مدى سنوات العقد الماضي الكثير، ان نقول لهم، ان اهلكم ما زالوا بحاجة للمساعدة، وإن عليكم أن تفكروا بما هو أبعد من ارسال إغاثة لهم، أن تفكروا بالمثل الصيني القائل: لا تعط الجائع سمكة، إنما علمه الصيد واعطه سنارة.