لم تعد المزايدة على ثورية ووطنيةأحد في الثورة السورية أمراً مقنعاً، ولم يعد وضع معايير للحس الثوري والوطني يحددها من يفصّل الثورة والخطاب الوطني بطريقته الخاصة أمراً مقبولا.
إن الإحاطة بمأساة شعبنا وقضيته التي دوّلتْ لم تعد تتحمل كل هذا الترف الفكري البارد الذي يتعاطاه بعض السوريين الذين يتصدون للشأن العام عبر منصات التواصل الاجتماعي والغرف المغلقة على مدار اليوم.
إن التأكيد على أهمية وضرورة استشعار شعبنا للحس الثوري و الوطني أمر ضروري، ولكن ينبغي أن يتوفر ذلك عند متصدري المشهد المعارض في السلوكيات والتصرفات التنفيذية والعملية خارج سياق التنظير الخلبي المجرد من أي فعل.
- مؤخراً تحول البعض وبقدرة قادر، وبين عشيةوضحاها بتبديل خطابه السياسي والإعلامي من خطاب مؤيد لمشروع إنقاذي للثورة السورية، إلى خطاب عدائي لندوة استشرافية ستعقد في الدوحة مطلع شباط 2022 ولا تحمل في معالمها حتى الأن أي بديل سياسي حقيقي في الوقت الراهن! ، حيث انتقل في حديثه من ضرورة تفعيل الشخصيات الوطنية السورية وضرورة أخذها لزمام المبادرة وتحمل مسؤلياتها الوطنية في البحث عن مخرج من المأزق الذي وصلت إليه الثورة السورية—بعد الحديث عن إمكانية دعوة الأسد لحضور قمة الجزائر في آذار المقبل، إلى اللاورقة الأردنية، وإعادة فتح بعض الدول العربية سفارتها في دمشق، وصولاً إلى تراجع الانتربول الدولي عن قراره السابق بإغلاق مكتبه في دمشق وإعادة تفعيله مجدداً، وأخيراً تصريحات بيدرسون من طهران حول استقرار سورية بوجود الأسد، وقبلها دعواته الخطوة مقابل خطوة……— إلى التحذير من مخاطر أي لقاء يجمع السوريين في الدوحة!.
وما أن اقترب موعد هذا اللقاء السوري المتواضع حتى بدأ سباق في الخطاب الثوري، البعض يدخل فيه، ويزايد عليه ليحوز شرف الطعن، والفوز على باقي المتسابقين! هي عقلية السوق، ورجال الفيس والصالونات الدافئة، فالكل يريد كسب السوق، وتعميم خطاب التخويف والنبؤات( السياسية) وهو سباق القلم الجاهز، واللسان المستعد لقتل أي مبادرة او محاولة، هو السباق نحو تظهير الذات والأنا الوظيفية في عصر الوظائف الخالية الجديدة!
إن نفس الأقلام التي كانت تدافع وتؤيد شخص ما وطريقة عمل ما هي نفسها التي غيرت لونها، وخطها، لترفض وتتهم ذات العمل وذات الخطوة الجديدة، وتتسابق لشيطنتها، وتزايد في خطابها على الجميع.
- الثورة السورية تدخل قريباً عامها الحادي عشر و لم يتغير شيء في الخطاب السياسي عند المتصيدين، إلا المزايدة فيه،فالعقلية واحدة بينهم وبين نظام المقاومة والممانعة، والثورة السورية التي صنعها الأطفال والشباب وبلورتها التجارب الثورية من خلال تضحيات الأبطال في ساحات الشرف وصرخات المعتقلين….بحاجة إلى رجال علم وقانون وإدارة وليس دعاية وإعلان وعالم افتراضي
-الثورة تأصيل وعمل وتضحية، و المزايدة في الخطاب الثوري مقتل للخطاب الوطني وللثورة في آن واحد، إذ يصيب الخطاب عدم التصديق، ونقص المصداقية، فلا يعود مؤثراً ولا فعّالًا في الناس ولا في تطوير الحدث، وهو مقتل للثورة لأنه سد للطريق أمامها، وتزييف نظري لها،و المزايدة في الخطاب الثوري والوطني مثل المزايدة في الخطاب الديني، فالعقلية واحدة” عقلية الفرقة الناجية الواحدة”، وثقافة الرأي الوحيد الأوحد،وكلاهما ضد الثورة وضد تحقيق أي نصر أو تقدم لها.
فالثورة السورية تقوم على تعددية الرؤى، وتستمر بالحوار الوطني الصادق بين فعالياتها حتى تحقيق أهداف الثورة المشتركة.