بات بحكم اليقين لدى السكان القاطنين في مناطق سيطرة النظام ان الاوضاع المعيشية التي يعانون منها الان ليست الا مقدمة لاوضاع اكثر سوءا…لقد باتوا يدركون ان مهمة النظام الحفاظ عليهم على قيد الحياة وعدم موتهم جوعا…
كان ادراكهم ان المشكلة سياسية قبل ان تكون اقتصادية ..وان النظام الذي وعدهم بالنصر على المؤامرة الكونية حتى آخر رجل فيهم غير مستعد بل غير قادر على ان يتجاوب مع اي مسعى دولي او اقليمي لحلحلة ما تتيح انفراجا سياسيا يؤدي تحسن ملحوظ باوضاعهم المعيشية …وبدا من ثاني يوم من احتجاجات السويداء ادراك المحتجين للمشكلة الحقيقية حيث بدات تظهر الشعارات السياسية والوطنية حيث شوهدت لافتات تطالب بتطبيق القرار الدولي 2254…
والثورات لحظات تاريخية لاتتكرر تقود الى الانفجار المجتمعي بوجه سلطة غاشمة مستبدة تختلف شرارتها لكن النار ستنتشر بالعشب الجاف ..قد تكون الشرارة تتعلق بالكرامة الجسدية او حرمة الجسد كاحراق البوعزيزي نفسه قبل اكثر من عقد من الزمن احتجاجا على صفعة شرطية تونسية له بسوق الخضار الشعبي…كانت صرخة البوعزيزي تلك قد حركت ملايين الشباب العربي واثمرت ربيعا عربيا تحدى تلك البنى التي كانت تظن انها تملك مزارع ومالشعوب الى دواجن فيها..
بينما كانت الصرخة السورية في درعا ردا على اهانة معنوية من ضابط مخابرات تربطه صلة قرابة براس النظام مست عمق الكرامة الحورانية خاصة والسورية عامة ..واثمرت عن اعظم ثورة مدنية سلمية وطنية تخرج من الارياف وتزحف صوب المدن تنادي بكسر الاغلال وتحطيم قضبان السجن السوري الكبير الذي بناه المقبور وابنه
صحيح ان انطلاق احتجاجات السويداء الاخيرة كانت بسبب التذمر من الاوضاع المعيشية الصعبة التي نالت المحافظة كما باقي سورية ..الا انها حركة احتجاجبة وطنية بامتياز
شرارتها يمكن اعتبارها معيشية…ويعلم الجميع مشاركة جبل العرب الاشم بانطلاقة الثورة السورية منذ بداياتها ومشاركتهم الفعالة بها ..ثم تعدد الانتفاضات المتتالية والتي اثمرت احداها عن تشكيل حركة رجال الكرامة بقيادة الشيخ الشهيد وحيد البلعوس الذي قتله النظام فيما بعد…
مارس النظام كل ادوات الارهاب لئلا تكون السوبداء من متصدري الثورة السورية حتى يسهل عليه وصغها بالارهاب والسلفية والجهادية التكفيرية وحقق نجاحا ملحوظا في ذلك بظل غض الطرف عن عدم ارسال ابناء الجبل لابنائهم للخدمة بميليشيا النظام والمشاركة بقتل الشعب السوري…واستثمار ذلك من قبل النظام بحصر الثورة بابناء مكون واحد يمثل الاغلبية ويسعى للقضاء على الاقليات …وقدم النظام نفسه على انه حامي للاقليات
و من المرجح امتداد شرارة الانتفاضة من السويداء الى دمشق والساحل لان الظروف المعيشية الخانقة التي ادت لانفجار السويداء هي نفسها موجودة ان لم تكن اسوا…
هذه المرحلة يواجه النظام جموع المحتجين وهو منهك باعباء الحرب التي شنها على الشعب السوري واستنفذت كل امكاناته المادية والبشرية والمعنوية …ولم يقدم ثمارا لانتصار مزعوم يدعي انه حققه…
ليس بامكانه الرجوع عن قراراته او بعضها على الاقل بارجاع الدعم لبعض السلع الاساسية لان خزينته خاوية على عروشها وتخلى عن كل مقدرات المناطق الإقتصادية التي يسيطر علبها للمحتلين الروسي والايراني ..وتببن ان حلفائه الاساسيين (روسيا وايران والصين) غير معنيين بانتشاله من ضائقته ..إما انهم غير راغبين او قادرين او لادراكهم بعبثية تقديم اي منح مالية للنظام اذ ان سرعان ما تبتلعها شبكات الفساد المحيطة بالنظام وامراء الحرب الجدد
يبقى خيار وحيد وهو استعمال النظام للخيار الامني وهو لبس بتلك السهولة التي استعملها بالسابق لاستحالة وصف اهل السويداء والساحل بالارهابيين والتكفيريين وعدم قدرته على واد الاحتجاجات بقبضة امنية…حيث بدات بوادر التمرد بالساحل تظهر بالفصاء الافتراضي عبر تهكم او تهجم ثلة نخبوية على سياسات النظام وعبثية حربه بل والتشكيك بروايته للاحداث من اولها وخطئ كل الطريق الذي سار به
خيار النظام لمواجهة الاحتجاجات هو تصريحات بثينة شعبان وببان الاستخبارات العسكرية الروسية الاخير
كتبت بثينة شعبان مقالا بصحيفة الوطن الموالية ..تناولت فيه احتجاجات السويداء بشكل يمكن اعتباره او تعليق رسمي على الحدث..
تحدثت بمقالها مستذكرة ومحذرة ..استعرضت احداث العام 2011 بدرعا وكيف استجاب النظام لطلبات المحتجين الا انهم لم يقدروا ذلك ولجؤوا الى حمل السلاح وتخريب الممتلكات العامة…في اشارة واضحة منها..ان النظام لن يستجيب لطلباتكم وانه سيتهمكم بحمل السلاح وتخريب المتشآت العامة بعد فترة…وطالبت المتظاهرين بالصبر لان المؤامرة على سورية مازالت مستمرة ..
الحدث الثاني هو اصدار بيان اوتعليق او بالاحرى تهديد من الاستخبارات الخارجية الروسية يدعي بتوفر معلومات لدى الجهاز عن سعي واشنطن لتحريك احتجاجات شعبية مستغلة الوضع الاقتصادي المتردي وتحريك جماعات من المعارضة المسلحة للاعتداء على قوات النظام والمبليشبات الايرانية والروسية واعتبرت ان المؤامرة الامريكية كبيرة وتهدف لاحداث اضطرابات اجتماعبة وان قوات النظام الشرعية ستتصدى بحزم لاي حركة من هذا النوع في دمشق ومدن الساحل…وهي اشارة واضحة الى الخيار الامني وشيطنة اي حراك شعبي متوقع
لابد من القول ختاما ان الثورة السورية الثانية ستعم كل الاراضي السورية على امل ان تعيد سيرتها الاولى ..ويتحقق النصر الذي كان ثمنه دماء واهات وعذابات …