اعتبر محللون أن قرار البرلمان الأوروبي، الأربعاء، بتصنيف روسيا دولة راعية للإرهاب، دليل على تزايد الهوة بين الجانبين ورغبة غربية متزايدة في عزل موسكو دوليا.
وصوت البرلمان الأوروبي الأربعاء على نص يصف روسيا بأنها “دولة راعية للإرهاب” على خلفية هجومها على أوكرانيا، داعيا دول الاتحاد الأوروبي الـ27 إلى أن تحذو حذوه.
وفي النص الذي أقر في ستراسبورغ بأغلبية 191 صوتا مقابل معارضة 58 صوتا وامتناع 44 عن التصويت، وصف النواب الأوروبيون “روسيا بأنها دولة راعية للإرهاب ودولة تستخدم وسائل إرهابية”.
وكان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، طالب في نهاية يونيو بتصنيف روسيا “دولة راعية للإرهاب”، وذلك غداة غارة روسية استهدفت مركز تسوّق وأسفرت عن مقتل 18 شخصاً على الأقل.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، خطار أبو دياب، في حديثه مع موقع “الحرة”، أن هذا القرار يأتي مع تطور الوضع في أوكرانيا “والخوف من ألا تعطي محنة الشتاء التي سنصل إليها قريبا مجالا للتفاوض أو للحل”.
وقال البرلمان الأوروبي، الأربعاء، إن الضربات العسكرية التي تنفذها موسكو على أهداف مدنية مثل البنية التحتية للطاقة ومستشفيات ومدارس وملاجئ في أوكرانيا تنتهك القانون الدولي.
“قرار تحريضي”
ورغم أن البرلمان الأوروبي تشاوري وليس له سلطة تنفيذية على الدول المعنية، “لكن هذا القرار برمزيته مهم، خاصة مع الأكثرية الكاسحة التي نالها، وهو ما يعني أن القطيعة بين روسيا والدول الأوروبية تتعاظم نظرا للمأساة الحاصلة في أوكرانيا”، بحسب أبو دياب.
ويوضح أن “البرلمان الأوروبي يحفز ويحرض ويطالب، ومن خلاله تمرر أفكار للسلطات التنفيذية في الدول الأوروبية، وهناك من سيتحمس من الدول التي تعتبر روسيا خطرا داهما عليها، ودول أخرى ستتريث وهي الأكثرية في تقديري”، مشيرا إلى أنه “سبق للبرلمان الأوروبي اتخذ العديد من القرارات حول حقوق الإنسان والعديد من القضايا الدولية وكان لها دور في الدفع لكي تتبنى السلطات المعنية هذا الاتجاه”.
ويعتبر أن “هذا القرار يدلل على أن الرأي العام الأوربي بدأ يفقد الأمل من الحل في أوكرانيا ويعتبر أن روسيا ذهبت بعيدا في هذه الحرب ويجب العمل على مكافحة ذلك”.
ويتفق معه الباحث في الفسلفة السياسية في باريس، رامي الخليفة العلي، أن هذا القرار يشير إلى تزايد الهوة ما بين الدول الأوروبية والجانب الروسي خلال الفترة الماضية نتيجة أزمة الغاز والحرب في أوكرانيا.
وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا.
ويشير العلي إلى أن من أسباب هذا القرار أيضا أن “الدول الأوروبية ترى أن الجانب الروسي يدعم حركات تنتمي لليمين المتطرف والنازية الجديدة وهناك تأييد لها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر القراصنة الروس ووسائل التواصل الاجتماعي لجماعات النازيين الجدد. ”
لكن العلي يرى أن هذا القرار ستكون له نتائج قانونية وأخرى سياسية، “لا شك بأنه ستكون هناك الكثير من التعقيدات التي ستواجهها روسيا في التعامل مع الدول الأوربية خاصة فيما يتعلق بشراكات اقتصادية”.
من الناحية السياسية، يرى العلي أن أوروبا بهذا القرار تحاول جعل روسيا معزولة على المستوى الدولي من خلال حث أطراف ودول داخل الاتحاد الأوربي على عدم بناء علاقات منفردة مع روسيا، مشيرا إلى أن هناك دول أوروبية هي أقرب إلى روسيا مثل المجر على سبيل المثال.
في نفس الوقت، يستبعد العلي أن الأمر سيمتد إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، “الأمر مختلف، لأن عددا كبيرا من الدول الأوربية تصنف الحرس الثوري الإيراني على سبيل المثال بأنه منظمة إرهابية، ومع ذلك توجد سفارات إيرانية في مختلف الدول الأوروبية”.
وأضاف: “بالرغم من أن هذا الإجراء يأتي في سياق تدهور العلاقات الروسية والأوروبية، لكن أوروبا لا تريد في نفس الوقت أن تقطع علاقاتها بشكل كامل مع الجانب الروسي، لأنها تدرك أن الحرب في أوكرانيا لابد أن تنتهي نهاية سياسية وبالتالي تريد أن تبقي قنوات حوار مفتوحة”، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون لطالما شدد على إبقاء قنوات الحوار مع الجانب الروسي، “أعتقد أن هذه سياسة أوروبية بشكل عام، فحتى وإن كانت العلاقات متوترة في هذه الآونة، إلا أن هنالك إمكانية في المستقبل من أجل إقامة جسور حوار لللوصول إلى تسوية ما في نهاية المطاف بعد أن تضع الحرب أوزارها”.
رفض أميركي
يأتي قرار البرلمان الأوروبي، رغم أن الإدارة الأميركية، كانت قد اعتبرت في ديسمبر الماضي، أنّه من غير المجدي في الوضع الراهن تصنيف روسيا “دولة راعية للإرهاب”، رافضة بذلك دعوات بهذا الصدد وجّهتها إليها كييف وبرلمانيون أميركيون.
لكن العلي يشير إلى أن أوروبا عانت أكثر من من الولايات المتحدة “لأن روسيا قامت خلال السنوات الماضية بعمليات استخباراتية استهدفت معارضين موجودين على الأراضي الأوروبية سواء في ألمانيا أو المملكة المتحدة وغيرهما، وهي بالفعل تلاحق هؤلاء المعارضين وهو ما اعتبر تجاوزا للقوانين الوطنية وكذلك الأعراف الدبلوماسية والدولية”.
وفي سبتمبر الماضي، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار، إن تصنيف روسيا دولة راعية للإرهاب “ليس الوسيلة الأكثر فعالية أو الأقوى لمحاسبتها” على غزوها أوكرانيا، موضحة أنّ مثل هكذا خطوة قد تضرّ كذلك بجهود إيصال المساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا.
وأضافت أنّ إدراج اسم روسيا على القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب يمكن أن يؤدّي أيضاً إلى “تقويض (التحالف) المتعدّد الأطراف وغير المسبوق والذي كان فعّالاً للغاية في محاسبة (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، وكذلك أيضاً تقويض قدرتنا على دعم أوكرانيا” في المفاوضات.
وإذا أدرجت الولايات المتّحدة، أكبر اقتصاد في العالم، دولة ما على قائمتها للدول الراعية للإرهاب، فإنّ من شأن مثل هكذا خطوة أن تؤدّي إلى عواقب بعيدة المدى، بما في ذلك تعريض البنوك والشركات الأميركية لإجراءات قانونية.
ويعتبر أبو دياب أن “إصدار الولايات المتحدة مثل هذا القرار سيعني القطيعة الدبلوماسية الكاملة مع روسيا وتطوير الأمر في هذه المجابهة العالمية”.
وأوضح: “نحن الآن في مجابهة عالمية انطلاقا من أوكرانيا لكن الولايات المتحدة وحلف الناتو والمعسكر الغربي بالإجمال اتخذ قرارا منذ البداية بعدم توسيع نطاق هذا النزاع وحصره في أوكرانيا مع العمل كي لا تحقق روسيا أهدافها في أوكرانيا، لذلك الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والدول الغربية تتحرك بتدرج في مواجهة هذا التهديد الروسي”.
واعتبر أبو دياب أن الخطوات الغربية نجحت حتى الآن في احتواء التهديد الروسي، “في نهاية المطاف بدأ الغاز الروسي يشح الآن، وكل الدول الأوربية تخطط للاستغناء عن النفط الروسي وهناك من يطرح أن يحدد سقفا لسعره من أجل إحراج روسيا أكثر وعدم إعطاءها الميزانيات الكافية لتمويل حربها في أوكرانيا”، مؤكدا أنه “لولا الدعم الأوروبي والأميركي الكثيف لما تمكنت أوكرانيا من الصمود واسترجاع بعض أراضيها بالهجمات المضادة”.
روسيا في موقف صعب
يعتقد العلي أن روسيا ستحاول أن ترد بالمثل على قرار البرلمان الأوروبي “لكن من الواضح تماما أن تحرك الغرب عموما سويا باتساق بما فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في الإجراءات العقابية الاقتصادية ومحاولة عزل روسيا دبلوماسيا، يعطي القوة لهذا الموقف، وبالتالي لا تستطيع روسيا أن تقطع علاقاتها مع كافة الدول الغربية”.
وقال العلي: “روسيا سترد بشكل صوري، من خلال توجه رسائل احتجاج واعتراضات دبلوماسية، لكن ليس لديها الكثير من الإمكانيات خصوصا أنها في خضم الحرب وبالتالي لا تريد أن تعقد المشهد أكثر من ذلك”.
وأشار إلى أن هناك بعض الساحات الأخرى التي يوجد فيها تعاون بين الدول الغربية والولايات المتحدة وروسيا مثل الوضع في سوريا، “وبالتي ليست هناك مصلحة لأحد في قطع التواصل بشكل كامل”.
ويرى العلي أن روسيا استنفذت بطاقات الضغط الخاصة بها مثل الغاز.
وقال “نعم لا يزال بعض الغاز الروسي يصل إلى أوروبا ولكن الدول الأوربية أصبح لديها الآن طرق بديلة عن الغاز الروسي، حيث عقدت اتفاقيات مع الجانب الأميركي ودول متعددة، طبعا ذلك لن يغطي كافة الاحتياجات ولكن هذه الورقة كلما مضى الوقت واستطاعت أوروبا الصمود وأن تجد بدائل أخرى كلما قلت أهمية هذه الورقة، وهو ما باتت تدركه روسيا بشكل جيد الآن”.
ويعتقد أبو دياب أن “البرلمان الروسي قد يرد على قرار البرلمان الأوروبي بأن يعتمد قرارات معينة حول بعض الدول الأوربية”، لكنه يؤكد أن “روسيا محرجة وفي وضع صعب ولا قدرة لها على رد متناسق”.
وقال: “ربما كان بوتين يتصور أن الوضع في أوكرانيا سينهار لصالحه، فإذا بكييف تصمد لأكثر من تسعة أشهر حتى الآن”.
وأضاف: “أصبحت روسيا في وضع معقد لأنها لا تقبل حتى بمكاسب محدودة وتراهن على عامل الوقت وإنهاك أوكرانيا وعدم قدرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دعم أوكرانيا ماديا وعسكريا إلى آخر المطاف”.
وتابع: “المسألة هي عض أصابع، ومن يصرخ أولا، لكن روسيا هي الآن في الموقف الصعب، وربما يكون هناك انعكاسات على مستقبل روسيا بعد عدم القدرة على تحقيق أهدافها في أوكرانيا”.