(حوار سياسي)
في المقابلة التي خصَّت بها «الشرق الأوسط»، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، التي تقوم بأول زيارة لها لمنطقة الخليج تشمل السعودية والإمارات، إن المنطقة «تعاني من انعدام الاستقرار المزمن والمتصاعد»، وإن تعزيز العلاقات بين فرنسا من جهة، والسعودية وأبوظبي من جهة أخرى، «يمكن اعتباره وسيلة للرد على هذا الواقع».
ورأت الوزيرة أن الشرق الأوسط يعاني من الأزمات، وأن إيران «تعتمد نهجاً تصعيدياً» من خلال أنشطتها المزعزعة للاستقرار، مشيرةً إلى برامج طهران النووية والباليستية والمسيَّرات وإلى تهديداتها المباشرة، فضلاً عن لجوئها إلى وكلائها في المنطقة وأبعد منها، كمشاركتها في الحرب الروسية على أوكرانيا، فضلاً عن القمع الذي تمارسه في الداخل ضد مواطنيها، واعتمادها سياسة احتجاز الرهائن. وأكدت كولونا أن فرنسا «عازمة على الوقوف» في وجه هذه التهديدات، وأنها ستبقى «وفيّة لالتزاماتها تجاه أمن شركائها» في منطقة الخليج، وأنها «ساعية لتعزيز التعاون مع السعودية من أجل إيجاد حلول للأزمات الإقليمية».
وحسب الوزيرة الفرنسية، فإن المنطقة يمكنها «الاستناد إلى السعودية والإمارات بوصفهما قطبي استقرار المنطقة»، وأكدت أن «باريس ترغب في تعزيز العلاقات مع الرياض في المجالات كافة، وأنها تدعم (رؤية 2030)».
وحول أزمات المنطقة والتي منها الملف اللبناني، أكدت كولونا أن اللبنانيين «ضحايا نظام مفلس»، وأن هدف باريس الأول الاستمرار في مساعدتهم ودعم المؤسسات التي تضمن سيادة واستقلال لبنان، مكررةً دعوة بلادها الطبقة السياسية إلى تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، وتسهيل قيام حكومة تعمل على تنفيذ الإصلاحات كخطوة أولى نحو الإنقاذ.
وفي الوقت الذي ستصل الحرب الروسية على أوكرانيا قريباً إلى عتبة عامها الثاني، أكدت كولونا أن موقف باريس «الواضح» يقوم على توفير الوسائل العسكرية التي تحتاج إليها كييف للدفاع عن سيادتها واستعادة السيطرة على كامل أراضيها، وأن باريس «مستمرة» في هذا النهج بما في ذلك الدعم العسكري، وفي ما يلي نص المقابلة:
> معالي الوزيرة، تقومين بأول زيارة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فما الرسالة التي تحملينها للمنطقة وشركائها؟
– شكراً لكم، بدايةً دعني أوضح أنني أحمل رسالة بسيطة ألا وهي أنّه يمكن لبلدان هذه المنطقة من العالم، التي اشتدت معاناتها من الأزمات، التعويل على فرنسا، خصوصاً مع عدم الاستقرار المزمن والمتعاظم الذي أصبح واقعاً في المنطقة. ويمثل تعزيز العلاقات مع شركائنا في منطقة الخليج، لا سيّما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، سبيلاً لمواجهة هذا الواقع. وتتحقق مصلحتنا المشتركة في ذلك. واختارت روسيا الاعتداء على أوكرانيا، منذ قرابة عام، وإعادة الحرب إلى القارة الأوروبية. وتتسبب حربها في سقوط عشرات الآلاف من القتلى ودمار يعجز الكلام عن وصفه. ورأيت هذا الدمار بأمّ عيني خلال الزيارة التي أجريتها لأوديسا الأسبوع الماضي. وتتطلب منّا مواجهة هذا الوضع العمل معاً في سبيل إرساء الاستقرار مجدداً في جميع المجالات التي تفتقر إليه، كمجالات الأمن والاقتصاد والطاقة والغذاء. ويجب علينا العودة إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة المشتركة الواضحة في هذا الصدد، فهي تنص على أنّه لا يحق لأي بلد اجتياح بلد مجاور، ويسري هذ المبدأ في أوروبا وفي الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم.
وحقيقةً، منطقة الشرق الأوسط تعاني من الأزمات كذلك، وتواجه المنطقة في المقام الأول التصعيد الذي تتعمد إيران قيادته من خلال الاضطلاع بأنشطة مزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة. وتفاقِم عدة بؤر توتر مخاطر تعسر الوضع؛ على غرار تعاظم أعمال العنف في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، والفراغ السياسي المستمر في لبنان، وعدم الاستقرار في اليمن وتقلّب الوضع فيه بلا اتفاق وقف إطلاق النار، والفشل في سوريا التي دمّرتها حكومتها وباتت تمثل فريسة لمطامع البلدان المجاورة لها. لذا، أكرر أنّ فرنسا تفي بالتزامها بدعم شركائها في منطقة الخليج وأمنهم، وهي مستعدة لتعزيز التعاون مع المملكة العربية السعودية بغية حل الأزمات الإقليمية ومكافحة بؤر عدم الاستقرار في المنطقة.
ويجب علينا استنفار كل طاقتنا بغية تعزيز الحوار مهما تطلب الأمر، وعلينا انتهاز كل الفرص سعياً إلى حصر رقع الصراعات.
ولا توفر فرنسا جهداً إلا وتبذله لهذه الغاية، وهو ما كان يرمي عقد مؤتمر بغداد الثاني في ديسمبر (كانون الأول) المنصرم بالقرب من البحر الميت إلى تحقيقه. وينطوي التعاون بين بلدان المنطقة على إمكانات عظيمة، لذا يجب تجسيده بأفعال وتحويله إلى واقع. ويجب الحث على التعاون في هذه المنطقة المضطربة بما يحقق مصالح الجميع بصورة عامة، ومن أجل شعوب المنطقة بصورة خاصة. وتتضمن المنطقة مَواطن استقرار، لا سيّما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وحقيقةً، شرعنا بالفعل مع المملكة العربية السعودية في إقامة شراكة راسخة، ونرغب في تعزيز كل أوجهها في مجالات الاقتصاد والطاقة والثقافة. وتدعم فرنسا «رؤية 2030» التي طرحها ولي العهد، وتسعى منشآتنا إلى تعزيز مواكبتها للمملكة في مشاريع التحوّل الاقتصادي والاجتماعي التي تضطلع بها والانتقال الذي تقوده في مجال الطاقة. ونشيد كذلك بالزخم الاستثنائي الذي يتسم به تعاوننا الثقافي، ويتجسد هذا التعاون الاستثنائي في مثالين بارزين، ألا وهما شراكتنا المتميزة في محافظة العلا وفي مجال البحوث الأثرية.
ونحن نقيم علاقة مع الإمارات عريقة تتميز بزخم فريد مثلما تبلوره الزيارات الرفيعة المستوى الحديثة بين البلدين. ونرغب في تعزيز تعاوننا مع حليفنا وشريكنا على الصعيد الاستراتيجي، الذي ردّت فيه فرنسا فوراً وبالفعل على الهجمات التي ارتُكبت منذ عام على الإمارات، وكذلك على الصعيد الاقتصادي والثقافي وفي مجال الصحة. وسأشدد خلال زيارتي كذلك على خالص تمنياتنا بالتوفيق للإمارات في استضافتها الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ في نهاية عام 2023، وسأذكّر باستعداد فرنسا للإسهام في إنجاح هذه الفعالية التي يجب أن ترتقي نتائجها إلى مستوى طموح أهدافنا المشتركة.
وأضيف كذلك أنني سألتقي الأمين العام الجديد لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي تولى مهامه منذ فترة وجيزة. ويثبت محفل مجلس التعاون لدول الخليج العربية قدرة المنطقة على التغلّب على الاختلافات سعياً إلى تحقيق الوحدة والإسهام في إرساء السلام. ويكتسي ذلك أهمية بالغة في فترة الاضطراب التي تواجهها المنطقة.
> هنالك الكثير من المشكلات التي تعانون منها، وكذلك المنطقة، مع سلوك إيران التي لا تنفك عن ممارسة سياسة التصعيد، فما نظرة فرنسا إلى هذا التصعيد المضاعف؟ وما ردكم عليه؟
– بدايةً، نحن نواجه طريقاً مسدودة فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة كما تعلمون، وتتحمل إيران كامل مسؤولية هذا الوضع. ولم تقتنص إيران فرصة قبول النص الذي قدمه المنسّق الأوروبي، العام المنصرم، بعد عدة أشهر من المفاوضات، بغية استئناف الامتثال لاتفاق عام 2015، مع أنّه كان أفضل اقتراح يمكن تقديمه. وتواصل إيران بموازاة ذلك تصعيدها النووي المثير للقلق الشديد وعرقلة عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ونثابر وشركاؤنا سعياً إلى استنباط حل دبلوماسي للوضع الراهن. وندعو إيران إلى تنفيذ جميع التزاماتها وواجباتها الدولية. ولا نزال عازمين على منع إيران من الحصول على أسلحة نووية.
غير أنّ مصادر قلقنا لا تنحصر في الموضوع النووي، للأسف، فإيران تهدد محيطها الإقليمي وتسعى إلى زعزعة استقراره. وتعمل إيران مباشرةً في البلدان المجاورة لها وعبر وسطاء يحققون مصالحها، وإنّ هذه الأنشطة المزعزعة للاستقرار آخذة في التصاعد. ويتجلى الأمر بوضوح عند النظر في جميع الملفات التي تشمل الملف النووي بطبيعة الحال، وكذلك الزيادة الهائلة في ترسانة الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيَّرة عن بُعد، فضلاً عن استخدامها في حالات حقيقية في العراق على سبيل المثال، ونشر هذه الوسائل بإرسالها إلى روسيا وإلى جهات فاعلة غير الدول في المنطقة. وتُولِّد بذلك إيران بؤرة عدم استقرار واسعة وتحرص عليها.
وأكرر أننا عازمون على التصدي لها، ونتواصل على نحو وثيق مع شركائنا الدوليين والإقليميين في سبيل التصدي لهذا الوضع من خلال التركيز على عمليات نقل الطائرات المسيَّرة عن بُعد والصواريخ التي تضطلع بها إيران انتهاكاً للقرار «2231» الصادر عن مجلس الأمن. وأرغب في التشديد في هذا الصدد على أنّ سلوك إيران إزاء بعض البلدان الشريكة لا يصرف النظر عن وضعها الداخلي الكارثي على الصعيد الاقتصادي وفي مجال الحقوق الأساسية، ثم أود أن أضيف موضوعين أساسيين يثيران القلق:
الأول يتناول المشاركة الإيرانية في جهود الحرب الروسية في أوروبا. ونحن نستنفر طاقتنا بالفعل بغية التصدي لتهديد نقل الطائرات المسيَّرة الإيرانية إلى روسيا. وتوظّف هذه القدرات لدعم هجمات تستهدف السكان والبنى التحتية المدنية الأوكرانية، وقد تعد هذه الهجمات جرائم حرب. وتتواطأ إيران مع روسيا في الحرب العدوانية التي تخوضها في أوكرانيا، والتي تنتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وكان رد فعل الاتحاد الأوروبي حازماً، فتمثل في فرض مختلف أنواع الجزاءات على كيانات ضالعة في عمليات النقل هذه وعلى أشخاص مشاركين فيها.
والآخر يتناول سياسة احتجاز الرهائن التي تنتهجها إيران، استهدافاً للأوروبيين بصورة خاصة، وهي تعد موضوعاً مهماً كذلك. ولا يمكن قبول سياسة الاحتجاز التعسفي هذه بغية الضغط على حكوماتنا. وقررنا وشركاؤنا الأوروبيون العمل معاً على صياغة ردود ملائمة في سبيل الإفراج الفوري عن رهائن الدولة هؤلاء، لأننا نعدهم رهائن دولة. ويدل ذلك على وحدتنا وعزمنا، وهو ما يسري على فرضنا عدة رزمات من العقوبات على مسؤولين عن القمع، وهي تشمل وزراء وأعضاء في الحرس الثوري الإيراني.
> البعض لا يرى أي مَخرج للأزمة اللبنانية في المرحلة الراهنة، كيف تعتزمون مساعدة هذا البلد، لا سيّما أنّ رئيس الجمهورية وعد بتقديم «مبادرات» بغية مساعدة لبنان؟
– للأسف يعاني لبنان، البلد الذي يحبه فرنسيون كثيرون، من فراغ رئاسي منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول)، أدخله في أزمة منقطعة النظير، وتتعدد أوجه هذه الأزمة؛ فالنظام المالي انهار في البلد، واقتصاده يعاني أشد المعاناة، وأواصر المجتمع آخذةٌ بالتفكك، وبلغ الوضع السياسي فيه طريقاً مسدودة.
ويتمثل هدفنا الأول في مواصلة دعم السكان، بما أنّ القادة لا يعانون بطبيعة الحال، بل من يعاني بالفعل هو الشعب اللبناني.
وحشدنا، منذ وقوع انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس (آب) 2020، بتحفيزٍ من رئيس الجمهورية، وسائل ترتقي إلى مستوى التحديات، فجمعنا مساعدة استثنائية بلغت قيمتها 100 مليون يورو، قدمناها بعد مؤتمر الدعم الذي عُقد في شهر يوليو (تموز) 2021 لدعم مجالات الصحة والأمن الغذائي والتعليم، وقطعنا التزامات مع شركائنا في منطقة الخليج، لا سيّما المملكة العربية السعودية، تجسدت في استحداث آلية إنسانية مشتركة في بداية عام 2022، أتاحت بصورة خاصة تمويل أربعة مشاريع يستفيد منها الشعب اللبناني على نحو مباشر بلغت قيمتها 28 مليون يورو، خُصص 12.5 مليون يورو منها لدعم مستشفى طرابلس الحكومي.
ويعاني اللبنانيون من هذا النظام الفاشل، ويستحق اللاجئون السوريون والفلسطينيون دعماً يتيح لهم العيش بكرامة كذلك. ودأبت فرنسا على مبدأ دعم المؤسسات التي تضمن سيادة لبنان واستقلاله. وأمسى مُلحّاً أن يكفّ المسؤولون اللبنانيون عن تعسير الإصلاحات ومنع استنباط حل يمهّد للانتخابات الرئاسية. واستنفدت الأزمة وقتاً طويلاً بالفعل، ويعاني لبنان من استنزاف مواهبه وأُنهك اقتصاده، وبات البلد أكثر عرضة لتداعيات الاضطرابات الإقليمية والعالمية. ويتجسد الحل ببساطة في انتخاب رئيس إجماع، وتعيين حكومة تعمل من أجل تحقيق مصلحة البلد، وتنفيذ إصلاحات تتيح لصندوق النقد الدولي التدخل. ولا تألو فرنسا جهداً إلا وتبذله في هذا الصدد، وكنت قد ذكّرت بذلك خلال زيارتي للبنان في أكتوبر المنصرم، وننسق تنسيقاً وثيقاً مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وشركائنا الأساسيين في المنطقة بغية إحراز تقدم في هذا الملف.
> ما زالت فرنسا على موقفها المعارض بشدة «لتطبيع» العلاقات مع نظام الأسد مع أن الكثير من البلدان الصديقة لكم قامت بذلك… هل من الوارد أن يستمر الوضع على ما هو عليه؟ ماذا تطلبون من الحكومة السورية فعلياً؟
– تعترض فرنسا على البربرية والوحشية، وأسباب العرقلة توجد في دمشق وليست في باريس ولا في بروكسل ولا حتى في نيويورك. ويتعنّت النظام في رفضه مفاوضة أسس السلام المستدام التي طُرحت في القرار «2254» الذي اعتمده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع في نهاية عام 2015، ولا يتحتم على فرنسا أن «تطبّع» علاقاتها مع نظام أُدين مجدداً الأسبوع الماضي بشن هجوم بالأسلحة الكيميائية في مدينة دوما في 7 أبريل (نيسان) 2018، ومع نظام يكذب ويرفض الاستنتاجات المحايدة المنبثقة عن تحقيقات اضطلع بإجرائها خبراء مستقلون. ويثبت التقرير الذي نشرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 27 يناير (كانون الثاني) الماضي مجدداً أن نظام الأسد لم يتردد في استخدام غاز الكلور ضد المدنيين. وتعدّ هذه المرة التاسعة التي تنسب فيها آليات الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى النظام السوري بصورة محايدة استخدام الأسلحة الكيميائية.
وبذلك ينبغي للنظام أن يطبّع علاقاته مع المجتمع الدولي وشعبه الذي كان وما زال يسعى لتدميره تدميراً منهجياً. وأضيف أن النظام السوري وحلفاءه يضطلعون بقوة بالاتجار في المخدرات بصورة مطّردة، وذلك ما يمثل مصدراً مهماً لعدم الاستقرار في المنطقة. وينبغي لذلك إيجاد حل سياسي لأنه أمر مهم من أجل أمننا المشترك.
ولهذا السبب يطلب مجلس الأمن من النظام السوري أموراً بسيطة، ألا وهي انخراطه في عملية سياسية تتسم بالمصداقية والشمولية برعاية الأمم المتحدة، وذلك على سبيل المثال من خلال كفّه عن معارضة اجتماع اللجنة الدستورية، ووضعه حداً للاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتهديدات الجسدية والتعذيب، وتعاونه مع عائلات المفقودين والإفصاح عن حقيقة مصيرهم، وإتاحة العودة الطوعية والكريمة والآمنة لما يربو على 6 ملايين سوري لاجئ في الدول المجاورة. ونحن، على عكس بشار الأسد، نهتم لأمر الشعب السوري الذي عانى على مدى 12 عاماً أشد المعاناة. وتواصل فرنسا دعمها تلبيةً لاحتياجات الشعب السوري الطارئة، ويبقى الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أكبر المسهمين في المساعدة الإنسانية الدولية، إذ تخطت مساهماتهم ما قيمته 27.4 مليار دولار منذ عام 2011.
> علاقات فرنسا مع الجزائر والمغرب كانت دوماً «معقَّدة»، ونقرأ هنا وهناك عن وجود توترات بين فرنسا والمغرب، فيما علاقتكم بالجزائر في أفضل حالاتها. لقد زرتم الرباط مؤخراً، فهل ترتبط هذه الزيارة بمسألة الصحراء الغربية؟ وكيف تصفون علاقاتكم بالمغرب؟
– المغرب والجزائر شريكان أساسيان وصديقان لفرنسا. ويرغب رئيس الجمهورية في ترسيخ العلاقات الوثيقة التي تربط فرنسا بكل منهما، إذ نتشارك الكثير من الأمور، وينطوي ذلك على إيلاء أهمية بالغة للشباب الذين يمثلون القلب النابض لعلاقاتنا الثنائية. وذهبت لزيارة المغرب في 15 و16 ديسمبر الماضي. وكانت الزيارة إيجابية جداً، وأتاحت إبراز قيمة الشراكة الاستثنائية التي تربط بلدينا، بعيداً عن الصعوبات التي لا مفرّ من وقوعها في بعض الأحيان نظراً إلى طبيعة العلاقة الوطيدة للغاية بين البلدين. وسبق ورأيتم انخراطنا مع الجزائر في حركية جديدة وباعثة على الأمل وطموحة للغاية ترقى إلى مستوى علاقتنا. وباختصار، أنا أؤمن بأننا سنتطلّع بعزم إلى المستقبل واحتمالاته مع هذين البلدين العزيزين علينا اللذين نشاركهما الكثير من الأمور وبرغبة مشتركة أيضاً.
> قُلتم حديثاً في مقابلة متلفزة إنّه لم يَحن وقت المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا وإنّه يجب أن «تتمكن أوكرانيا من تعزيز توازن القوى لمصلحتها واستعادة بعض من أراضيها»… هل يمكنكم تفسير موقفكم بوضوح أكثر لو سمحتم؟
– اتخذت فرنسا موقفاً واضحاً منذ البداية، ويتمثل هدفنا في توفير السبل التي تتيح لأوكرانيا الدفاع عن سيادتها واستعادة سلامة أراضيها. وسنواصل دعم أوكرانيا في جميع المجالات التي تشمل المجال العسكري بغية تحقيق هذه الغاية.
أما فيما يتعلق بمواقف البلدان العربية، فيبلور تصويت أغلبية بلدان المنطقة المؤيِّد لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر في 12 أكتوبر المنصرم ويدين «ضم» روسيا «غير القانوني» للأراضي الأوكرانية، رفض البلدان العربية الواضح للتشكيك بالحدود المعترف بها دولياً بقوة السلاح، ويشدد على التزامها المتجدد من أجل احترام سيادة البلدان الوطنية.
وأدرك تماماً شدة الضرر الذي يعاني منه عدد من بلدان المنطقة من جراء الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا. وأعني بذلك طبعاً انعدام الأمن الغذائي الذي فاقمته الحرب والتداعيات التي قد تؤثر سلباً في الاستقرار الاجتماعي والسياسي في بعض البلدان. وأحرص في هذا الصدد على الإشادة بالدعم متعدد الأوجه والإنساني الذي قُدّم لأوكرانيا في عام 2022، وأدعو مختلف البلدان إلى مواصلة توفير مساعدتها.
وسعينا إلى درء هذه التداعيات والتخفيف من حدتها، فأنشأنا، بمبادرةٍ من فرنسا وعلى نحو جماعي، التحالف العالمي من أجل الأمن الغذائي وآليته «الفعلية» المتمثلة في مهمة تعزيز القدرة على الصمود في مجالَي الغذاء والزراعة، بغية الحفاظ على شفافية الأسواق الزراعية، وتعزيز التضامن مع البلدان الضعيفة الأكثر تضرراً، والاستثمار في الإنتاج المحلي المستدام.
وأُدرك بموازاة ذلك أنّ جزءاً من الرأي العام في البلدان العربية يشعر بأنّ التزام ما تسمى صورة عامة الغرب وحشده يختلف وفقاً للمواضيع. ولا أعتقد أنّ هذا هو النهج السليم بغية تناول الموضوع، فإذا ساد حكم الأقوى في أوكرانيا، ستستنتج قوى عدوانية أخرى في أماكن أخرى في العالم أنه بإمكانها أن تمس أمن البلدان المجاورة لها بلا عقاب. وقامت إيران بالفعل بدعم مجموعات أطلقت صواريخ استهدفت مناطق في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأعربنا في هذه الحالات عن تضامننا الذي لا يقبل الشك من خلال تزويد الإمارات العربية المتحدة بوسائل عسكرية إضافية. ولا تقوم أفعالنا على ازدواج المعايير، فنحن نسترشد بالقانون.