قد لا تكون تحديات ما بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أقل مما قبلها، إن لم نقل أكثر، إن على صعيد الديون والبطالة والتضخم، أو حتى على صعيد التموضع والتحالفات، خلال فترة قدد لا يقبل فيها العالم بالحياد أو مسك العصا من المنتصف، كما آثر أردوغان، في قضايا وملفات حرجة عدة، ربما أفقعها الحرب الروسية على أوكرانيا.
ولعل السؤال حول تشكيلة الحكومة الذي يتعالى اليوم، داخل تركيا، والذي من الإجابة عليه، تتضح معالم مستقبل البلاد، أو نهجها على الأقل، خلال السنوات الخمس المقبلة.
فبعد اجتماعه الوداعي اليوم، بالحكومة التركية الحالية، تذهب الأنظار لـ”طريقة أردوغان” بانتقاء فريق حكومي جديد، يتولى مهام الفترة المقبلة المثقلة بالتحديات الاقتصادية الداخلية والمعوّل عليه المواءمة مع تبدلات متوقعة للسياسة التركية الخارجية، سواء مع دول المنطقة العربية أو حتى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي سارع زعماؤها للمباركة للرئيس أردوغان والوعود بتحسين العلاقات وفتح صفحات جديدة، ولو من قبيل الأمر الواقع.
وربما ما يزيد من الترقب، داخل تركيا وخارجها، أن 15 وزيرا من أصل 17 بالحكومة الحالية، باتوا أعضاء بالبرلمان بدورته الجديدة، ما يعني استبعادهم عن الفريق الحكومي المقبل، إلا إذا استقالوا من البرلمان، الأمر، بحال الاستقالة، الذي سيؤثر على مقاعد “العدالة والتنمية” وربما على غالبية أصواته التي نالها مع الأحزاب المتحالفة “الحركة القومية والرفاه الجديد”.
قصارى القول: من المفترض أن يؤدي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم الجمعة المقبل، القسم على الولاية الثالثة الممتدة حتى 2028 ليتم حل الحكومة الحالية والإعلان، باليوم نفسه، عن الفريق الحكومي الجديد، والذي على الأرجح، سيخلو من الوجوه الاقتصادية التي طبقت سياسة أردوغان خلال الفترة الماضية، ابتداء من نور الدين النبطي وزير المالية ووزير الاقتصاد نهاد زيبكجي أو حتى محافظ المصرف المركي، شهاب قافجي أوغلو، لنكون يوم الإثنين المقبل، خلال أول اجتماع للحكومة التركية، أمام وجوه، ربما من خلال ماضيها ونهجها، أن نستشف سياسة تركيا الاقتصادية للمرحلة المقبلة.
فالتوقعات هنا، وبعد تسريب قوائم بأسماء وزراء، قالت تركيا إنها غير صحيحة ولم يتم الاتفاق النهائي على تشكيلة الحكومة، تضعنا أمام احتمالين.
فإن تم اختيار المتحدث باسم الرئاسة التركية، ابراهيم قالن وزيرا للخارجية، بدل مولود جاووش أوغلو الذي دخل البرلمان، فإن تركيا اختارت الوجه الناعم والدبلوماسي بتعاطيها للمرحلة المقبلة، وذلك سينعكس، بشكل أو بآخر على الاقتصاد، سواء من فتح العلاقات والأسواق، أو حتى المهادنة وتصفير المشاكل العالقة، خاصة مع بعض الدول الأوروبية والعربية.
وأما إذا تم اختيار رئيس جهاز المخابرات الوطني في تركيا، حقان فيدان وهذا متوقع من نظر الغالبية، فوقتذاك تكون تركيا قد قررت تسويق القوة خلال مئويتها الثانية، وغلّبت الندية بالتعاطي الخارجي بعد فترة من ليونة يراها هؤلاء، خاصة خلال استعادة حسن العلاقات مع بعض دول المنطقة أو اختيار عدم المواجهة بملفات أوروبية وأميركية عدة.
وفي الشأن الاقتصادي، رغم عدم إمكانية فصل السياسة الخارجية عن الاقتصاد، بدأ التسويق لعودة وزير المالية السابق، محمد شيمشك للواجهة الاقتصادية أو ليقود الفريق الاقتصادي وتطبيق سياسة تركيا المقبلة، خاصة بعد تخصيص الرئيس أردوغان شيمشك، بلقاء خاص خلال تداول أسماء الحكومة، ما زاد من بروز اسم الليبرالي شيمشك ذي الأصول الكردية، ليس إلى وزارة المال، بل إلى منصب نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية.
فالضوء على منصب اقتصادي رفيع لشيمشك الذي رافق الرئيس أردوغان أخيراً، خلال زيارته لولاية باطمان، زاد بعد رفضه الترشح للبرلمان لئلا يجمع، فيما لو اختير لمنصب، بين موقعين، فهو المرافق كنائب رئيس وزراء منذ كان أردوغان رئيساً للحكومة، وهو العائد لوزارة المال ومهندس المطارح الضريبية والقانون الضريبي بعد ذاك، وهو، كما يراه أتراك، الأنسب للتصدي للأزمات الاقتصادية التي تعترض أحلام تركيا، ابتداء من التضخم المرتفع والمديونية العالية، وصولاً لتراجع سعر الصرف ومستوى المعيشة.
نهاية القول: تبقى الأنظار على تركيا خلال تشكيل أول حكومة بالمئوية الثانية وثالث فترة لأردوغان، إذ من خلفيات ونهج الوزراء ومدى تبعيتهم أو استقلالهم و”عنادهم”، أو إعادة مناصب جديدة للحكومة، بواقع استئثار أردوغان بقرارات الحكومة وفق النظام الرئاسي منذ 2017، يمكن الاستشفاف، على الأقل، النهج الذي ستسير عليه تركيا خلال السنوات المقبلة.
فأن يعاد الفريق الحكومي التابع بكامل قراراته للرئيس، كما رأينا خلال انصياع وزير المال النبطي أو المحافظ الحالي، شهاب قافجي أوغلو، بعد إقالة ثلاثة محافظين للمصرف المركزي رفضوا تخفيض سعر الفائدة، فهذا سيرسم ملامح لتركيا قد لا تختلف عن السابقة، خاصة لجهة التضخم وسعر الصرف وحتى الشركاء الخارجيين.
وأن يتم فصل القرار التنفيذي، ولو جزئياً، من خلال رجل قوي يدير الفريق الاقتصادي ولو من منصب نائب الرئيس، فهذا أيضاً سيعطي فكرة، عن أي نهج وتطلع وموقع، ستحتله تركيا خلال مرحلتها المقبلة، وأي التكتلات ستختار، بواقع إعادة تشكيل ملامح العالم وزيادة الاستقطابات والتجاذبات.