رتل عسكري أميركي يحمل معدات من قاعدة في شمال سورية، (Alice Martins for The Washington Post) أكتوبر 2019.
“The Washington Post”
– ترجمة: ربى خدام الجامع
تعمل إيران على تسليح المقاتلين في سورية من أجل مرحلة جديدة من الهجمات الفتاكة ضد القوات الأميركية في هذا البلد، إلى جانب تعاونها مع روسيا في استراتيجية أوسع تهدف لإخراج الأميركيين من المنطقة، وذلك بحسب ما كشفته وثائق سرية مسربة ومسؤولون في مجال الاستخبارات.
شكلت إيران وحلفاؤها قوات ودربتها على استخدام قنابل خارقة للدروع شديدة القوة، وذلك لاستهداف المركبات العسكرية الأميركية وقتل الجنود الأميركيين بحسب ما ورد في تقارير استخباراتية مسربة حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” . وتمثل هجمات كهذه تصعيداً للحملة الإيرانية الحالية التي تقوم على الاستعانة بالميليشيات العميلة لشن غارات صاروخية وبالمسيرات على القوات الأميركية في سورية.
تسببت الهجمات بالمسيرات بجرح ستة جنود أميركيين ومقتل متعاقد مع وزارة الدفاع الأميركية، بيد أن الملغمات الجديدة ستزيد من عدد الضحايا بين صفوف الأميركيين، كما تهدد بمواجهة عسكرية أوسع مع إيران، وذلك بحسب ما أورده محللون في مجال الاستخبارات وخبراء في مجال الأسلحة.
يذكر أن هذا النوع من الأسلحة الذي يعرف بالخارق المتفجر، استخدمه متمردون موالون لإيران في هجمات فتاكة استهدفت أرتالاً عسكرية أميركية خلال فترة الاحتلال الأميركي للعراق.
هذا وقد قام مسؤولون من فيلق القدس الإيراني بتوجيه عملية اختبار لأحد أنواع تلك المتفجرات والإشراف عليها، والتي خرقت الجزء المصفح من إحدى الدبابات في تجربة نفذت في أواخر شهر كانون الثاني بمنطقة الضمير شرقي العاصمة السورية دمشق، بحسب ما ورد في أحد التقارير الاستخباراتية.
ويبدو أن هذه الوثيقة التي تندرج ضمن كنز المواد السرية التي تم تسريبها عبر منصة “ديسكورد” للتراسل، تعتمد على محادثات تم اختراقها بين مقاتلين سوريين ولبنانيين متحالفين مع إيران، وورد فيها بكل وضوح محاولة الاستعانة بتلك العبوات المتفجرة ضد القوات الأميركية، إلا أن العملية أُحبطت في أواخر شهر شباط عندما قام مقاتلون كرد متحالفون مع الولايات المتحدة بمصادرة ثلاث قنابل في شمال شرقي سوريا، بحسب ما ورد في وثيقة أخرى مسربة.
تعتبر القنابل الخارقة المتفجرة أكثر تطوراً من الملغمات التي تعرف بين العوام بالعبوات الناسفة والتي أصبحت السمة المميزة لحملة المتمردين ضد القوات الأميركية في العراق عقب الغزو الأميركي في عام 2003. يتم إطلاق العبوات بواسطة أجهزة استشعار عن بعد، حيث يتم الاستعانة بذخيرة متفجرة لها شكل معين لتقذف بسرعة كبيرة قطعاً معدنية مصهورة تجاه هدف معين.
تحدثت إحدى الوثائق المسربة عن محاولات قام بها أحد صانعي القنابل من حزب الله اللبناني المتحالف مع إيران، وذلك لتنفيذ تجارب على النوع الجديد من هذه القنابل الخارقة المتفجرة في سورية في أواخر شهر كانون الثاني الماضي، وقد تم تقييم العبوة التي لا يتعدى قطرها 13 سم، بأنها فعالة ويمكن إخفاؤها بشكل جيد نظراً لصغر حجمها ولكونها مزودة بذخيرة من المتفجرات العسكرية يعادل وزنها 1.4 كغ، وفي اختبارين أجريا على تلك القنابل، تمكنت القنبلة من اختراق دبابة مصفحة سماكتها 8 سم تقريباً من مدى يعادل 23 متراً، بيد أن الاختبار الثالث قد فشل بحسب ما ورد في الوثيقة.
ذُكر في التقرير أيضاً بأن قياديين من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قد ساعدوا في تصميم القنابل وفي التشاور حول الأمور التشغيلية المتعلقة باستخداماتها. إذ قام قيادي من فيلق القدس اسمه صادق أميدزاده “بتحديد المركبات الأميركية المصفحة من نوع Humvee وCougar في سورية” على أنها الأهداف المعنية، وتحدث عن إرسال أعوان لم يحددهم بالاسم وذلك ليقوموا بالتقاط صور استطلاعية للطرقات التي تقطعها القوات الأميركية بحسب ما ورد في الوثيقة.
كما تحدثت وثيقة منفصلة عن قيام المقاتلين الكرد باحتجاز ثلاث قنابل خارقة متفجرة وكيف أعلنوا أن العبوات كانت بحوزة عميل سوري تابع لفيلق القدس، وكان يسعى لنقلها إلى مكان آخر استعداداً لشن هجوم أخير على القوات الأميركية بالقرب من منطقة رميلان في شمال شرقي سورية.
نزاع جديد يلوح في الأفق
وحول هذا الموضوع، يعلق مايكل نايتس، وهو خبير في الميليشيات المدعومة إيرانياً، ومؤسس موقع Militia Spotlight الإلكتروني، فيقول: “ثمة تغير جذري في تقبلهم للمخاطر بالنسبة لقتل الأميركيين في سورية”، وبالحديث عن حصيلة الضحايا التي حصدتها العبوات الناسفة الخارقة المتفجرة خلال حرب العراق، أضاف: “حتما سيتسبب ذلك بقتل أشخاص، وهم يفكرون حقاً بكيفية تحقيق ذلك”.
تصف وثيقة أخرى من الكنز الذي تم اكتشافه الجهود الحثيثة التي صارت كل من موسكو والنظام السوري وطهران تبذلها مؤخراً لطرد الولايات المتحدة من سورية، إذ يعتبر ذلك هدفاً لطالما سعى إليه بشار الأسد لكونه سيساعده على استرجاع المحافظات الشرقية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً. فقد استبْقت ثلاث إدارات أميركية متعاقبة عدداً ضئيلاً من القوات في سوريا، لا يتعدى الـ900 جندي ومعهم المئات من المتعاقدين، وذلك لمنع مقاتلي تنظيم الدولة من الظهور مجدداً في هذا البلد، ولإحباط طموحات إيران وروسيا، ولبسط النفوذ الأميركي بغية تحقيق أهداف استراتيجية أخرى.
بررت الإدارات الأميركية نشر تلك القوات بموجب قانون إجازة الاستعانة بالقوات العسكرية لعامي 2001 و2002، والذي أقره الكونغرس عقب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في عام 2001 لمحاربة تنظيم القاعدة. إلا أن الوجود العسكري الأميركي في سورية خلق فرصاً لظهور نزاع جديد، إذ تصف وثيقة أخرى من ضمن المسربات كيف أخذت إيران والميليشيات المتحالفة معها تستعد للانتقام من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت قواتها عبر ضرب القواعد العسكرية الأميركية في سورية.
تتحدث الوثائق المسربة أيضاً عن مخططات خصوم أميركا لشن حملة واسعة النطاق تتضمن حشد مقاومة شعبية وتشجيعها على تنفيذ هجمات ضد الأميركيين في الشمال السوري وفي المنطقة الشرقية. إذ في شهر تشرين الثاني من عام 2022 التقى مسؤولون عسكريون واستخباراتيون روس وإيرانيون وسوريون على أعلى المستويات واتفقوا على إقامة مركز للتنسيق لتوجيه تلك الحملة وإدارتها وذلك بحسب ما ورد في تقييم استخباري سري أعد في شهر كانون الثاني.
انتقام افتراضي أميركي
لم ترد في تلك الوثائق أية إشارة للتدخل الروسي المباشر في التخطيط لحملة التفجير، إلا أن الوثائق المسربة تحدثت عن دور روسي أشد نشاطاً وفاعلية ضمن الجهود الأوسع المعادية للأميركيين. فلقد تدخلت روسيا، كما إيران، عسكرياً في الحرب السورية لإبقاء نظام الأسد في السلطة، وصارت تدعم اليوم جهود النظام في استرجاع السيطرة على كامل البلد. وخلال الأشهر التي تلت كتابة هذه الوثائق المسربة، تورطت روسيا باستفزازات جديدة ضد القوات الأميركية، والتي شملت انتهاك اتفاقيات خفض التصعيد، والتحليق بالطائرات فوق القواعد الأميركية وخرق المجال الجوي الأميركي في سورية.
في الوقت الذي تبنت فيه روسيا منذ زمن بعيد سياسة تقوم على إخراج الولايات المتحدة من سورية، لم يُؤسس مركز مشترك للتنسيق لتحقيق هذا الهدف إلا منذ فترة قريبة، بحسب رأي آرون شتاين وهو عضو رفيع لدى معهد أبحاث السياسة الخارجية. ولكن في حال تسببت تلك الهجمات التي ستنفذها ميليشيات بقتل قوات أميركية، فمن المرجح لإيران وروسيا أن تفكرا بأن بوسعهما إدارة عملية التصعيد، وذلك لأن الجيش الأميركي قد يحد من ردة فعله على الغارات التي تستهدف مواقع أميركية داخل سوريا، أي إنها ستلجأ للانتقام الافتراضي الذي اتبعته إدارتا ترامب وبايدن بحسب رأي شتاين.
إلا أن الباحث حذر من زيادة تقلقل الأمور بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وانهيار الاتفاق النووي الإيراني، ولهذا من الصعب توقع ما يمكن أن يحدث، كما من الصعب تخيل الديناميات السياسية الأميركية في المنطقة وهي تسعى للانسحاب أمام الضغط الروسي.
بيد أن تنشيط عملية التخطيط مؤخراً والتي ظهرت من خلال الوثائق المسربة، يشير إلى وجود: “فرصة سانحة لتصعيد الأمور” بحسب رأي محمد غنام رئيس قسم السياسات لدى المجلس السوري الأميركي وهو معارض لنظام الأسد.
تأييد روسي ضمني
غير أن البنتاغون رفض التعليق على الوثائق المسربة ولم يرد على الأسئلة التي تتعلق بالمعلومات الاستخبارية عن المخططات الجديدة ضد القوات الأميركية في سورية. لكن توجه الميليشيات المدعومة إيرانياً لتصعيد هجماتها ضد الأميركيين بوساطة الملغمات قد تأكد في مقابلات أجريت مع شخصيتين قياديتين، ومع مسؤول سابق اطلع على معلومات استخباراية حساسة عن المنطقة. كما ذكر بعض المحللين المستقلين أن السلوك العدواني المتصاعد الذي تبديه إيران يشير إلى حصول طهران أو اعتقادها بأنها حصلت على تأييد روسي ضمني بالنسبة لتصعيد تلك الحملة بهدف الضغط على الأميركيين. إذ صارت موسكو تعتمد على حليفتها إيران التي تحولت إلى مزود رئيسي بالمسيرات وغيرها من الأسلحة لدى روسيا وذلك خلال غزوها لأوكرانيا.
وحول ذلك يعلق فرزين نديمي، وهو مختص بالشأن الإيراني وعضو مهم لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فيقول: “من نتائج تطور العلاقات العسكرية وتقاربها بين إيران وروسيا هو إطلاق يد إيران بشكل أكبر في سورية، فالآن يبدو أن إيران حصلت على ضوء أخضر من قبل الروس، ولذلك أصبحت ترغب بتصعيد اللعبة بالتدريج”.
من المرجح لحملة المقاومة الجديدة أن تجد أرضاً خصبة في المناطق ذات الغالبية العربية وذلك لسخطها على الوجود العسكري الأميركي وحكم الإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على مساحات شاسعة من الشمال السوري والمنطقة الشرقية بحسب رأي خبراء، وذلك لأن التنافس المحلي على السلطة والبيئة الناقمة المضطربة يخلقان أجواء مثالية لإثارة الفوضى ولتنظيم فصائل عسكرية، بحسب رأي آرون لوند العضو في مركز أبحاث Century International.
تضارب في الآراء
خرجت روسيا من الحرب السورية التي امتدت لاثنتي عشرة سنة كوسيط رئيسي على السلطة في المنطقة، بعدما أنقذت نظام الأسد، وهيمنت اليوم على حالة تجميد النزاع التي تتسم بهشاشتها وتعقيدها. وفي الوقت الذي تشاطر فيه موسكو دمشق الهدف الساعي لإخراج القوات الأميركية من سوريا، وترغب أيضاً بمصالحة نظام الأسد مع تركيا وقوات سوريا الديمقراطية التي تدير المنطقة الشرقية حيث تتمتع بحكم ذاتي مستقل، نجدها لا تشاطر تركيا في أمنياتها المتعلقة بإنهاء السيطرة الكردية بالقوة، وهذا ما قد يسبب حالة اضطراب مع عودة لتنظيم الدولة حسب رأي لوند.
بالرغم من أن تحالف روسيا مع طهران قد أصبح أقوى وأمتن منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، نجد أن لدى القادة الروس والإيرانيين أفكاراً متضاربة حول إدارة سوريا بعد الحرب، وذلك لأن روسيا سمحت ضمنياً لإسرائيل بتنفيذ غارات جوية ضد أي تهديد إيراني في الداخل السوري، إذ ورد في إحدى الوثائق المسربة بأن العلاقة المصلحية بين روسيا وإيران هي مصدر الشقاق بين الدولتين، وبأن إيران اشتكت غير مرة بسبب إقصائها من المفاوضات التي ترأستها روسيا مع تركيا والتي تم خلالها تقديم مقترحات لتسوية النزاع السوري بشكل دائم.