هل ثمة رغبة دولية لمحاكمة الأسد؟

هل ثمة رغبة دولية لمحاكمة الأسد؟

في سياق الحراك السياسي والدوبلماسي الذي يمارسه المجلس السوري الأمريكي وناشطون سوريون آخرون في الولايات المتحدة الأمريكية، تقدمت نائبتان في الكونغرس الأمريكي من الحزب الديمقراطي هما رشيدة طليب وإلهان عمر بمشروع قانون لإنشاء آلية دولية لمحاسبة نظام الأسد على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سورية. وعزت النائبتان سعيهما لتقديم هذا المشروع بارتكاب نظام الأسد جرائم فظيعة بحق السوريين دون ان تطاله المحاسبة، وعلى الرغم من وجود قوانين تدين الإجرام إلّا أن عدم تنفيذ تلك القوانين يجعلها فاقدة لقيمتها الجوهرية وفقاً للنائبتين الامريكيتين. ولكن يمكن الذهاب إلى أن الدافع الأهم في هذا المشروع هو حالة الإحباط من العقم الذي طال مجلس الامن الدولي، بسبب الآليات الناظمة لعمله، إذ ما يزال مجلس الأمن الذي من المفترض أن يكون الذراع التنفيذي للأمم المتحدة معطّلا حيال التعاطي الجدّي والفاعل مع جميع القرارات التي تدين الأسد وتطالب بمحاكمة نظامه، وذلك بسبب الفيتو الروسي والصيني الذي يجعل أي إجماع أممي أو دولي على إدانة نظام دمشق ومن ثم محاسبته أمراً متعذراً. ومن هنا تأتي أهمية هذا المشروع الجديد الذي ربما إذا تحول إلى قانون بعد التصويت عليه وكذلك بعد مروره على مجلس الشيوخ، أن يحاول الضغط على الإدارة الامريكية من أجل إنشاء آلية لمحاكمة نظام دمشق دون المرور بمجلس الأمن، وذلك عبر تحويل قرارات الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة والمطالبة بتنفيذها تحت البند السابع.

لقد سبق هذا المشروع الذي تقدمت به النائبتان الديمقراطيتان عدة مشاريع تدين نظام الأسد، وقد تحولت إلى قوانين نتيجة تصويت غالبية أعضاء الكونغرس لصالحها، من هذه القوانين ( قانون قيصر – قانون إقرار الموازنة المالية لمحاربة تجارة الكبتاغون، قانون محاربة التطبيع مع الأسد)، ولا شك ان وراء هذه القوانين جهداً طيباً ومشكوراً للمجلس السوري الأمريكي والمركز السوري للدراسات القانونية، وذلك من خلال ما يبذله هؤلاء من جهد يهدف إلى إبراز عدالة القضية السورية من جهة، وكذلك يهدف إلى الكشف عن فظائع الأسد بحق السوريين، وضرورة ألّا تبقى تلك الجرائم ومن قام بارتكابها بمنأى عن المحاسبة.

لعل المنطق السليم والضمير الحي يؤكّدان على ان أي جهد حقوقي أو دوبلماسي أو سياسي يفضي إلى إدانة نظام الإبادة في دمشق ويطالب بمحاكمته، هو منجزٌ إنساني وحقوقي كبير، وكذلك إن أي إدانة حقوقية دولية لجرائم الأسد هي نصرةٌ لقضية السوريين العادلة، وانتصار أخلاقي ليس للقضية السورية فحسب، بل للعدالة بمعناها القيمي العام، ولكن ما هو جدير بالوقوف عنده أيضاً هو المصير الفعلي لتلك القوانين والإدانات، إذ إن قيمة أي قانون إنما تكمن بالقدرة على تنفيذه، أي تحوُّل مفهوم العدل من الحيّز النظري والأخلاقي إلى المجال الواقعي، ذلك ان المعضلة في نظام الأسد هي أنه لم يرتكب جريمة محددة ثم توقفت، وتوقفت معها ممارساته الإجرامية، بل يمكن التأكيد على أن السوريين تُمارس بحقهم جريمة مستمرة لم تتوقف على مدى اثنتي عشرة سنة، هذا إن لم نقل أن بشار الأسد قد ورث الجريمة من حكم أبيه الذي لم يتوان عن ممارستها طيلة فترة حكمه.

المقارنة الحقيقية في واشنطن بين الصورة التي تظهر فيها قوانين إدانة الأسد وبين المواقف الفعلية للإدارة الامريكية ربما تكون خاذلةً للكثير من السوريين، ذلك ان التطبيق الفعلي لقانون قيصر وما تلاه من قوانين شيء، والاستراتيجية الامريكية حيال نظام دمشق شيء آخر، فالإدانات الأمريكية الحقوقية والإعلامية تؤكد أن نظام الأسد اجرم بحق السوريين ويجب أن يُحاسب، فضلاً عن كونه فاقداً للشرعية وغير مؤهل لحكم البلاد، بينما نجد ان التعاطي الفعلي للإدارة الأمريكية مع نظام الأسد ما يزال مقيّداً بالشعار الذرائعي المشهور ( نطالب بتغيير سلوك الأسد ولا نسعى لتغييره)، كما ان إدارة بايدن غضت الطرف أو أومأت بالرض عن كل محاولات التطبيع العربي مع الأسد، بل إن واشنطن لا تنظر إلى ملف الأسد – على الرغم من فظاعته – إلّا على انه مُلحقٌ بالملف الإيراني، ولعله من المحتمل جداً ان توافق الإدارة الأمريكية على إعادة تعويم الأسد والتعاطي الرسمي معه إذا توصلت مع إيران إلى تفاهمات مُرضية حول الملف النووي الإيراني.

كثيرة هي القضايا الإنسانية العادلة التي حصلت على تأييد أممي عالمي وصدرت قرارات اممية تحمل في مضامينها إنصافاً لتلك القضايا، ولكن خذلان الإرادات السياسية الدولية في تنفيذ تلك القرارات لا يُبقي سوى على الجانب الأخلاقي من ذاك الإنصاف فقط، بينما يبقى الحق مسلوباً والضحية تنزف وجعاً و المجرم يبقى طليقاً.

هل يدعونا التباعد بين الانتصار الأخلاقي للعدالة وافتقاد القدرة على تجسيدها إلى التخلي عن أي مسعى للاقتصاص – قانونيا – من المجرم؟ وهل يدفعنا تغلّب مبدأ المصالح والسياسات النفعية على قيم الحق والعدالة إلى مغادرة أبواب العدالة ومنابر الحق وتجاهل الجذر الأخلاقي لقضيتنا السورية؟ الجواب لا إطلاقاً، ولكن ما ينبغي إدراكه والتمسّك به هو ان انتصار الأطراف الدولية للقضية السورية مهما بلغت قوته، فإنه لن يعفي السوريين من أن يكونوا الناصر الأكبر لقضيتهم، ليس من خلال ترقّب ما سيصدر من الآخرين، بل من خلال المبادرة بالفعل، فالجاذب الأهم لاهتمام الآخر وتعاطفه مع القضية السورية هو الفعل السوري المُبادر قبل أي شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

القائمة