لم أجد جملة معبرة مدخلاً لفكرة المقال هذا، غير تلك التي قالها عمر المختار عندما أسر رجاله ضابط طلياني وأرادوا قتله لأنه قتل أهلهم ورفض المختار وقال جملته الشهيرة، ليسوا قدوة لنا؟ الذين يريدون التحرر والتغيير وبناء الأوطان مُثُلَهم، القيم، وليس عدوهم، ما يحفزني للكتابة، الكثير من الاقاويل التبريرية لأفعال تمت أو منتظرة، يحاول أصحابها التبرير بأن هكذا فعل النظام وهكذا فعلت الدولة الفلانية.
المُثُل التي تقضي بموجبها الشعوب وهي تقوم بفعل التغيير، الاقتداء بالمثل السامية، ولعل السؤال الذي يطرح هنا، ماهي تلك المثل العليا والقيم الأخلاقية التي يجب الاقتداء بها؟ وهل نحن في موقع السلطة وأصبحت تقع المسؤولية علينا؟ وغيرها من الأسئلة التي يثيرها التدافع الإنساني وخصوصا في حالتنا السورية.
في محاولة تقديم إجابة على السؤال الأول، القيم الأخلاقية والنواظم التي تحكم السلطات وإن اختلفت، إلا أن المشتركات كبيرة والخزائن مليئة بتلك القيم نجدها في كل مكان، في الأديان كشرائع وتجارب، وفي المواثيق الدولية وتجارب الأمم والشعوب، حيث أن قراءة الإعلان العالمي لحقوق الانسان، تعطي الصورة الجادة لرفع شأن الانسان الذي نطمح إليه ونريده، أهمها حق الشعوب في تقرير المصير؟ وقد أجمل الإعلان العالمي لحقوق الانسان كل حقوق الافراد وصان حريتهم ومعتقداتهم وأراءهم السياسية والفكرية، وكل ما يتصل بحرية الفرد وعمله وأمنه، ومن الخزائن الأخلاقية ما نجده في الدين كتابا وتجربة، لم يكن صدفة أن يتطابق البند الأول للإعلان العالمي لحقوق الإنسان (يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء) مع مقولة الصحابي عمر بن الخطاب، فضلاً عن أن الكتاب فصل حقوق الإنسان كاملة، وربطها بالإيمان والعمل الصالح، بذلك نشكل صورة لمجموعة من القيم والمثل يسير عليها الأحرار.
وجواب السؤال الثاني، ليس مهما أن ينتظر الشخص، أو الجماعة، حتى تصير في الحكم لتطبق القيم أو لا تطبقها، إنما القيم الأخلاقية دائم في كل المواقع الاجتماعية والسياسية والأزمان والأمكنة، وهي امتحان للإنسان، ورسالته في المجتمع ومعيار لاختيار القادة والزعماء وأصحاب المسؤولية، وبالتالي ممارستها واجبة نفعية وأخلاقياً، لمن يريد الدنيا، ومن يريد الآخرة، ومن العيش بسلام هو وأولاده ومجتمعه.
إذا المثل رسالة وصورة ولوحة أخلاقية إنسانية يصدرها طلاب الحرية والكرامة، حولها يلتف الناس وممارستها لا تحتاج إلى تبريرات عدم المعرفة أو التعلل بظروف الحرب، فلا مبررات تبيح عدم ممارستها، تحديداً أولئك الذين هم في موقع المسؤولية وتكبر وتصغر المسؤولية حتى لو كانت تتعلق برغيف خبز، وما التحرر الداخلي للإنسان، إلا قوة للتحرر من الطغيان والاحتلال وبناء المجتمع السليم.