كثّف النظام السوري، خلال الفترة الأخيرة، من إجراءاته لمكافحة الفساد، في خطوة وصفها مراقبون بأنها وهمية من أجل التسويق للنظام بأنه يسعى إلى الحد من الفساد الذي استشرى في مختلف القطاعات.
وفي هذا السياق، يختصر الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم، ما يجري أو “يشاع” عن قيادة أسماء الأسد، زوجة رأس النظام السوري، حملة مكافحة فساد بسورية بـ”حاميها حراميها”، مشيراً إلى أن الفساد الأكبر والإتاوات تتم عبر “مكتبها السري” بالقصر الرئاسي، لافتاً لـ”العربي الجديد” إلى أن ما يحدث في سورية أخيراً يعود لسببين.
الأول التسويق للخارج بأن نظام الأسد نزيه ويكافح الفساد، أما السبب الثاني فيراه الاقتصادي السوري بخلاف الأطراف على المواقع والحصص.
ويضيف الجاسم نقلاً عمّا وصفها بمصادره الخاصة والموثوق بها من دمشق، أن العديد ممن كانوا يعملون لمصلحة النظام، سواء في استيراد وتصدير النفط، من الداخل “الإدارة الذاتية” أو من الخارج، خرجوا عن “بيت الطاعة” فمنهم من يعمل لحسابه الخاص أو يقتطع قسماً من الأرباح ويهربها للخارج، كاشفاً أن شراء العقارات والممتلكات الثمينة لبعض هؤلاء بالإمارات العربية المتحدة، فجّر الخلاف وكشف المستور.
وتابع: “رأينا ما قيل عن حملة أسماء الأسد لمكافحة الفساد التي بدأت من المنافذ الحدودية ثم من التجار الحصريين الذين خصّهم النظام ومنذ سنوات، بحصرية استيراد بعض السلع، كالسكر والأرز والقمح والغذائيات المعلبة.
ولكن، يختم الجاسم بأن الحملة، وما يروّج لها، لن تفضي إلى أية نتائج، سوى تبديل بعض المواقع وتسويق وجوه جديدة لمواقع حساسة، بعد التعديلات الأمنية الأخيرة.
وكان مصدر في مديرية الجمارك العامة بدمشق، قد كشف منذ يومين عن أن ملاحقة ضباط ومسؤولين مستمرة. ويضيف المصدر الجمركي لصحيفة “الوطن” القريبة من نظام الأسد: “إن التحقيقات والتوقيفات طاولت خلال الفترة الماضية، أكثر من 100 ضابط ومدير ومراقب ورئيس مفرزة ومعظمهم أصبحوا خارج الخدمة والعمل الجمركي أو بحكم المستقيلين”.
وفي هذا السياق، يكشف مصدر من غرفة تجارة دمشق لـ”العربي الجديد” أن تعهدات القطع الأجنبي الناجم عن التصدير وإلزام التجار بإعادة 50% من قطع التصدير للمصرف المركزي “بالسعر الرسمي” هو العامل الأكبر للفساد بالجمارك والمنافذ الحدودية.
ويضيف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن “إلزام المستوردين بالتعامل مع منصة تمويل المستوردات زاد من الفساد بقطاع التجارة الخارجية، بعد انتشار وسطاء لتمويل التجارة “وهميين” وإصدار وثائق مزورة عن الجهات الرسمية، منها مصرف سورية المركزي والمنافذ الحدودية والجمارك، بنسَب عمولة تصل إلى 30% لكن كل ما علمناه أن هؤلاء الوسطاء يتبعون للسيدة أسماء والمكتب السري بالقصر الرئاسي”.
وحول سبب الحملة الآن أكد أن “المكتب السري” ورجال الأسد من يقومون بالتزوير والإتاوات منذ سنوات، والفترة المقبلة ستشهد تبديل مسؤولين بالتجارة والجمارك سواء حكوميون أو قطاع أعمال أو قطاع خاص من أجل تغيير الوجوه فقط، حسب المصدر.
وتناقلت وسائل إعلام وتواصل اجتماعي قبل أيام، أنباء عن ترؤس أسماء الأسد حملة مكافحة الفساد، بعد جرد اللجان المالية بالقصر الرئاسي لبيانات تجار وصناعيين “كبار”، وصدرت حجوزات احتياطية وتمت مصادرة أموال، طاولت رجال أعمال ومسؤولين، منهم رئيس اتحاد كرة القدم السابق، فادي الدباس وزوجته سماح الجابي ورجال أعمال، كما أحيل رئيس إدارة الهلال الأحمر، خالد حبوباتي، للتحقيق بتهم تتعلق أيضاً بـ”الفساد والاستجرار غير المشروع للمال”، وجرت مصادرة أمواله وتحويلها لمصلحة المصرف المركزي.
وفي حين ينفي رجل الأعمال السوري، عماد جبر، من محافظة درعا لـ”العربي الجديد” صحة أخبار الحجوزات الاحتياطية وملاحقة كبار التجار والمسؤولين الذين كانوا “أهم أدوات نظام الأسد المالية” يكشف خلال اتصال هاتفي عن كميات فساد “كبيرة جداً” تم كشفها بمعبر نصيب الحدودي “تزوير إشعارات التمويل وتجاوزات بالبضائع ونوعها ووزنها وبلد المنشأ”.
ويضيف جبر أن فرع أمن الدولة بدرعا برئاسة مديّن ندة، تحول إلى مركز إتاوات جنوبي سورية، كما يفعل “فرع الخطيب” بدمشق، فيعتقل رجال أعمال بتهم مختلفة، ولا يفرج عنهم إلا بعد دفع مبالغ كبيرة وبالدولار حصراً.
وكانت “العربي الجديد” قد كشفت سابقاً، دور أسماء الأسد ومكتبها بالسيطرة على الاقتصاد السوري، بعد ملاحقة رجل الأعمال، رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، واستصدار قرار الحجز على أموال مخلوف، في 19 مايو/ أيار 2020، بذريعة عدم دفع مستحقات خزينة الدولة.
لتتجه بعد ذاك أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام، إلى تعزيز قبضتها على العديد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية، ووضعت يدها على جمعية مخلوف الخيرية “البستان” وكبرى الشركات المالية والإنتاجية والخدمية “سيريا تيل، شام القابضة، راماك” ليتعاظم دورها، خاصة بعد تأسيس ما يسمى مجلس اقتصادي سري بالقصر الرئاسي بدمشق.
وشكلت زوجة الأسد ما يُسمى “المكتب الاقتصادي السري” التابع للقصر الرئاسي، والذي تترأسه عملياً ويضم كلاً من: مدير مؤسسة الأمانة السورية للتنمية، فارس كلاس، ومستشارة رئيس النظام والمسؤولة الإعلامية بالقصر الرئاسي، لونا الشبل، ومنسقة العلاقات الاقتصادية بين القصر الرئاسي والقطاع الخاص، لينا الكنانة، ومديرة مكتب زوجة الرئيس، دانا بشكور، ومدير شركة إيما تيل، خضر علي طاهر، والمستشار الاقتصادي بالقصر الرئاسي ومدير شركات آل الأسد بسورية ولبنان وبريطانيا والإمارات، يسار إبراهيم.
وتنبهت دول خارجية عدة، منها الاتحاد الأوروبي، لزيادة سطوة أسماء الأسد على الاقتصاد السوري، فأصدرت عقوبات عليها بعدما أصدرت الخزانة الأميركية عقوبات في ديسمبر/ كانون الأول 2020، طاولت والدها فواز الأخرس، وعددا من أفراد العائلة هم سحر عطري الأخرس وفراس وإياد الأخرس، قبل أن تطاول أعضاء مكتبها السري وأخاها، قبل أيام، حزمة جديدة للعقوبات ، منهم فراس فواز الأخرس، شقيق زوجة أسماء، ومهند الدباغ ابن عمتها، بالإضافة إلى يسار إبراهيم وهو المستشار الاقتصادي لبشار الأسد وعضو في “المجلس الاقتصادي” الذي تديره زوجته أسماء.
ويقول الاقتصادي السوري، عماد الدين المصبح لـ”العربي الجديد” إن السوريين لم يعودوا يطربون للعقوبات، الأميركية أو الأوروبية، لأنها بحقيقة الأمر من دون جدوى ولم تؤثر على نشاط “عصابة الأسد” سواء داخل سورية، ابتزاز ومصادرة أموال، أو خارجية تجارة مخدرات. ويشير المتحدث إلى أن الفساد الذي تقوده “عصابة الأسد” هو أهم عوامل التفقير وتهجير الاستثمارات ورؤوس الأموال.