أصيب العديد من السوريين الذين أجبروا على ترك منازلهم بسبب الحرب الوحشية التي دامت عقداً من الزمن في بلادهم بالصدمة عندما اكتشفوا أن مزارع عائلاتهم قد استولى عليها الموالون لنظام أسد وأعوانه.
وتقول جماعات حقوقية وخبراء قانونيون – وفقاً لتقرير نشرته شبكة فرانس 24 – إن نظام أسد وعقب استعادة استيلاء ميليشياته على أجزاء من شمال غرب سوريا (ريفي حماة وإدلب) أقام مزادات لـ “مصادرة” الأراضي الخصبة ومعاقبة المعارضين.
قال أحد اللاجئين سلمان البالغ من العمر 30 عاماً إنه كان يعلم دائماً أنه سيكون من الصعب العودة إلى أرض العائلة في محافظة إدلب التي تخلى عنها خلال هجوم شنته ميليشيا أسد قبل عام.
لكن مهما كانت الآمال التي لا يزال يتعين عليه العودة إليها ذات يوم، فقد تحطمت تماماً عندما علم أن حقوق زراعة الأرض قد بيعت إلى شخص غريب تماماً.
وقال اللاجئ الذي طلب استخدام اسم مستعار، لوكالة فرانس برس عبر الهاتف من اليونان حيث انتقل بشكل غير قانوني قبل بضعة أشهر: “ما هو حق شخص ما ليأتي ويأخذها؟”.
وأشار سلمان إلى إنه اكتشف من خلال منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أن حقوق أرضه يتم بيعها بمزاد علني، وكان يزرع العدس والشعير والكمون الأسود على 37 فدانا (15 هكتارا) من الأرض التي يملكها مع إخوته، ويكسب ما يصل إلى 12000 دولار لكل حصاد.
وختم سلمان حديثه للوكالة الفرنسية بالقول:”لقد صدمنا.. هذه الأرض تركها لنا أجدادنا ونريد أن ننقلها إلى أطفالنا”.
انتقام ممنهج
وقال عدد من السوريين النازحين من جنوب إدلب ومحافظتي حماة وحلب لفرانس برس، إن أراضيهم صودرت أيضاً، إذ إن البعض علم بذلك من خلال إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي يديرها اتحاد الفلاحين التابع لنظام أسد في إدلب أو من خلال معارف من لم يزل يعيش في الجوار (أي ضمن مناطق سيطرة الميليشيات الطائفية).
وفي أكتوبر/ تشرين الأول، قال اتحاد الفلاحين إنه يطرح بالمزاد الحق في استخدام وزراعة الأراضي المملوكة لسوريين “غير مقيمين في مناطق سيطرة الحكومة”، ولم يجد أصحابها سوى لوم سوء حظهم.
وزعم “اتحاد فلاحي أسد” أن حاملي الصكوك الأصليين “مدينون” للبنك التعاوني الزراعي السوري، الذي يقدم قروضاً للمزارعين – بمن فيهم أولئك الذين يجدون الآن أنه من المستحيل تسوية مستحقات من خارج الأراضي التي يسيطر عليها النظام.
ونفى جميع أصحاب الأراضي الذين تحدثوا إلى وكالة فرانس برس وجود مدفوعات مستحقة، إذ قال سلمان “إنها مجرد ذريعة”.
وتنظم لجان أمنية محلية مرتبطة بالنظام مزادات أخرى، دون أي ذكر للديون المستحقة المزعومة.
وكانت ميليشيا أسد المدعومة من روسيا توغلت على مدى السنوات الثلاث الماضية في عمق آخر معقل رئيسي للمعارضة السورية في الشمال الغربي، إذ أجبر هجوم الميليشيات الأخير في أوائل عام 2020 ما يقرب من مليون شخص على ترك منازلهم، وفقاً للأمم المتحدة.
وبحسب التقرير، فإن نظام أسد يتطلع إلى الاستفادة من الأراضي الخصبة لـ”تعزيز الإنتاج الزراعي” في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، حيث أدانت الجماعات الحقوقية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، مصادرة أراضي المعارضين.
وقالت ديانا سمعان، باحثة سورية بمنظمة العفو الدولية إن “مزادات الأراضي تستغل التهجير لفائدة اقتصادية” مشيرةً إلى أن سلطات النظام “تستولي على الأراضي بشكل غير قانوني وفي انتهاك للقانون الدولي”.
عقاب جماعي
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، قالت لجنة أمنية في حلب إنها تقدمت بعروض لشراء قطع أراضٍ في القرى التي أعيد احتلالها، بحسب وثائق حصلت عليها جماعة اليوم التالي والمرصد.
وقال أمير، وهو نازح يبلغ من العمر 38 عاماً من حلب، إن جاره السابق أبلغه قبل أقل من شهرين بأن السلطات تتقدم بعروض لشراء 20 فداناً من الأرض هناك، حيث طلب أمير من الجار تقديم مناقصة نيابة عنه، لكنه رفض.
أمير، وهو أب لخمسة أطفال يكسب الآن أقل من دولارين في اليوم من قطف الزيتون في إدلب، قال إن “شخصاً لديه أقارب مع أجهزة استخبارات في المنطقة” فاز بالمناقصة.
وبحسب القاضي أنور مجني، عضو لجنة الأمم المتحدة المكلفة بالإشراف على صياغة دستور سوري جديد، فإن مزادات الأراضي “نوع من العقوبة” وإنه “لا يجوز للمزادات نقل ملكية الأرض، كما أنها تنتهك حقوق” أصحابها الأصليين في الوصول إليها وزراعتها.
وأوضح المجني أن هناك مسألة أخرى تتمثل في “عدم وجود إطار قانوني” يحكم المزادات، لافتاً إلى أنه حتى لو نظمها مكتب مكافحة الفساد بالفعل لتسوية الديون، فإن ذلك “يجب أن يتم تحت إشراف القضاء”.
مزارع آخر “أبو عادل” الذي هجر قريته في حماة في عام 2012 مع احتدام المعارك في مكان قريب، لكنه استمر في زيارة أرضه حتى سيطرت ميليشيا أسد على منطقته العام الماضي.
استأجر الرجل البالغ من العمر 54 عاماً أشخاصاً للعناية بها أثناء غيابه، لكن في يوليو/ تموز، فازت شركة تابعة للجنة أمنية محلية بحقوق استخدامها في مزاد، وقال أبو عادل إنهم “جميعهم جزء من نفس الزمرة.. إنها واجهة”.