روى صحفي سوري تفاصيل وجوانب من مجزرة “التضامن” التي وقعت في 16/نيسان ابريل/2013، وذهب ضحيتها 41 مدنيا من أهالي الحي والمناطق المجاورة، بينهم شبان وأطفال ونساء قبل أن يكشفها تقرير لصحيفة “غارديان” البريطانية منذ أيام.
وأشار الصحفي “مطر اسماعيل” الذي كان يعيش جنوب دمشق حينها لـ”زمان الوصل” أن المجزرة وقعت في الجزء الجنوبي الشرقي من الحي الواقع جنوب دمشق الذي كان النظام يسيطر على ثلثيه بينما تسيطر المعارضة على الباقي، خلال الفترة التي سادت فيها أجواء استعدادات الثوار للدخول إلى العاصمة دمشق وبدء معركة إسقاط النظام عسكريا.
وأكد “اسماعيل” أن ضحايا المجزرة الـ 41 بمعظمهم من سكان حي “التضامن” أو من المناطق المحيطة ممن تم اعتقالهم من حاجز مخيم “اليرموك”، الذي كان يفصل بينه وبين حي “الميدان”، وكان الناس بعد سيطرة المقاومة على المخيم في كانون الأول/ديسمبر/2012 يضطرون للخروج بالمئات يوميا نحو دمشق لتأمين حاجياتهم بعد حصار جزئي على المنطقة، ثم يعودون قبل المغرب، مع إغلاق الحاجز مساء من قبل النظام، ومنهم من كان يهرب من الحصار دون عودة.
واستعاد المصدر أجواء عملية الخروج التي كانت خطيرة ومرعبة وعاشها لمرة أولى وأخيرة، حيث كانت تتخللها حالات قنص للمارة المضطرين إلى التوجه من ساحة “الريجة” نحو شارع “اليرموك” الرئيسي وصولا إلى الحاجز، مسافة قدرها حوالي 400 –600 مترا، في أي سنتيمتر منها يمكن أن يسقط شهيدا، كانت مكشوفة لقناصي النظام الذي كانوا يتسلّون في كثير من الأحيان باستهداف المدنيين، ما أوقع عددا من الشهداء، ثم بعد وصول الأهالي إلى الحاجز يخضعون لعملية تفتيش دقيقة اشتدت بمرور الوقت، وهناك اختفى العشرات وربما المئات من المدنيين دون أن يعرف مصيرهم -عدا المحظوظين منهم-، وهناك في الغالب اختار الشبيح “أمجد اليوسف” قائمة ضحاياه العشوائية، ليتسلى هو الآخر بهم في سبيل الانتقام والتشفّي من أبرياء عزّل.
*استراتيجية إبادة
ولفت “اسماعيل” إلى أن المنطقة المحيطة بحاجز قوات النظام كالثقب الأسود، فهي تمتد من منطقة بنايات القاعة، مسجد “الماجد، مسجد البشير”، وصولا للفرن الآلي بين “الزاهرة والتضامن”، هذه الخاصرة كانت مرتعا لأقذر شبيحة عرفتهم العاصمة، وهم شبيحة شارع “نسرين”، الذين انتسبوا لعدد من الأجهزة الأمنية والعسكرية أهمها “الدفاع الوطني”، وفرع المنطقة 227 وسُمّوا على اسم شارع “نسرين” في حي “التضامن”، والذي تقطنه غالبية علوية.
وهم من كانوا يسيطرون على الحي بعد خروج المقاومة منه وتحول حي “التضامن” حسب قوله –إلى ثكنة عسكرية آنذاك وتم تقسيمه إلى 15 منطقة عسكرية (غيتو) وبداخله سجن سري وكل قائد مجموعة من شبيحة النظام كان يتصرف بأريحية مطلقة في المنطقة التي يسيطر عليها وإضافة إلى القتال ضد المقاومة السورية كانوا يمارسون كما ورد في تقرير “غارديان” 4 أنواع من العنف: القتل الجماعي الممنهج وإدارة السجون والمعتقلات والاعتداءات الجنسية والاستغلال الاقتصادي وكانوا ينفذون بشكل يومي عمليات اعتقال دون أسباب وإنما هي ضمن استراتيجية إبادة الطرف الآخر التي يمارسها النظام وكل من يشك به بأنه غير مؤيد.
وتابع محدثنا أن أغلب ضحايا مجزرة “التضامن” كانوا من المدنيين يرتدون هنداماً مرتباً، ما يشير إلى أن اعتقالهم لم يكن من فترة طويلة ولم يظهر عليهم أي ملامح تعذيب أو نحول على حالة من يتم اعتقالهم لفترة طويلة وعلى الأغلب تم اعتقالهم في نفس اليوم أو في يوم سابق وسيقوا إلى هذه الحفرة وتم تصفيتهم خلال نصف ساعة وتم حرقهم فيما بعد.
*عمليات تصفية ممنهجة
ومضى محدثنا الذي يعيش في اسطنبول سارداً جوانب من ذكرياته الأليمة عن تلك الفترة التي ارتكبت فيها المجزرة، حيث كان موجودا في حي “التضامن”، ولكن في مناطق المعارضة، ولم يكن غريبا في خضم المناوشات والعمليات القتالية التي تسفر أحيانا عن تحرير قطاعات والتقدم في كتل سكنية، أن تجد جثة لمدني محروقة ومرمية على سطح أحد المباني، أو تدخل كتلة سكنية فتجد جثثا تمت تصفيتها ورميها في مداخل الأبنية، كان شبيحة “نسرين” ينتقمون من المدنيين القلّة الذين تشبّثوا بمنازلهم نتيجة الفقر وقلة الحيلة، عبر عمليات تصفية ممنهجة وإعدام بدم بارد خاصة عند خسارتهم لنقطة عسكرية أو سقوط قتيل في صفوفهم خلال الاشتباكات المسلحة.
وفي ظل الخسائر التي منيت بها قوات النظام حينها نمت في داخل شبيحة النظام رغبة الانتقام من المدنيين، وفي هذه الأجواء ارتكبت أبشع مجزرة شهدتها المناطق الجنوبية من دمشق بعد أن تم سوق الضحايا معصوبي الأعين مكبّلي الأيدي إلى الخلف، لربما ظنّوا أنهم سينقلون إلى أحد الأفرع الأمنية، ودعوا الله في سرّهم حينها أن يموتوا قبل ذلك خوفا من المعتقل المتخيّل، لكن الشبيح “أمجد اليوسف” الذي قُتل شقيقه في ليلة رأس السنة قبل قرابة أربعة أشهر، كان –كما يقول اسماعيل- يحضّر طقسا من نوع خاص، يوهم فيه المعتقلين أن عليهم الركض للنجاة من رصاص قنّاص، دون أن يدروا أنهم يركضون نحو حتفهم، إلى حفرة أعدّت على عجل لهذه المجزرة، ثم تكدّست بعشرات الجثث، قبل أن تُرصف بإطارات السيارات وتتحضّر لتلقّي أول شعلة نار ستلتهم جثث ضحايا عزّل لا حول لهم ولا قوة إلّا أنهم ظنوا للحظة أن مثل هذه الجرائم لا يمكن أن تحدث إلا في الأفلام والروايات.
*إعدام بذات الطريقة
وأضاف “اسماعيل” أن المسؤول عن هذه المجزرة بشكل أساسي هو “أمجد يوسف”، وهو صف ضابط وعنصر في فرع المنطقة وكان مسؤولاً عن أمن خط الجبهات وهناك “نجيب الحلبي” أحد سكان حي “التضامن” و”جمال الخطيب” المسؤول المباشر عن المجرم “أمجد”، وهو من أهالي القدم وسجله مليء بالإجرام و”فادي صقر” و”أبو منتجب”، وكلهم يعملون بإمرة اللواء “بسام مرهج الحسن” رئيس أركان “الدفاع الوطني” والعميد “شفيق نصار” رئيس فرع المنطقة في عام 2013، مشيراً إلى أن معظم ضحايا المجزرة من أهالي حي “التضامن” والمناطق المحيطة وغالبيتهم من الشبان والرجال، وهناك بعض الأطفال و7 سيدات 6 منهن محجبات وغالب الضحايا من سنة المنطقة، ولكن هناك أيضاً من يتبعون الطائفة الاسماعيلية، وقد يكون هناك علوية ممكن كانوا يسكنون في المنطقة وشك النظام في ولائهم.
ولفت “اسماعيل” إلى أن المقطع الذي تم تسريبه يصور مقتل 41 ضحية ولكن مجموع المقاطع 27 مقطعا ترصد 288 ضحية استشهدوا في عام 2013 تم تنفيذ الإعدام بهم بنفس الطريقة وذات المكان ومن ثم دفنهم وحرقهم في هذه الحفرة.
وأشار محدثنا إلى أن قوات النظام ارتكبت مجازر أخرى لا تقل دموية عن مجزرة “التضامن” في الربع الأخير من عام 2012، ولديه كما يقول فيديوهات عن عمليات إعدام وتصفية بحق المدنيين وبعضهم تم قتلهم في بيوتهم بعد انسحاب المقاومة من حي “التضامن” أي بعد معركة دمشق الأولى وحينها -كما يروي المصدر- دخل إلى حي “التضامن” وصور تقريراً بث في قناة “الجزيرة” وأثنائها صور كما يقول مقبرة لضحايا تم إعدامهم بنفس الطريقة وقام الأهالي بدفنهم في حديقة صغيرة داخل الحي.
فارس الرفاعي – زمان الوصل