صدرَ البارحة الجمعة 27/ كانون الثاني/ 2023 التقرير الثالث عن فريق التَّحقيق وتحديد المسؤولية (IIT) في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الذي من مهمته تحديد مرتكب جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية، والتقرير يحقق في الهجوم بالأسلحة الكيميائية على مدينة دوما بمحافظة ريف دمشق في 7/ نيسان/ 2018، وكانت بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية قد أثبتت سابقاً أن أسلحة كيميائية قد استُخدمت في هذا التاريخ والمكان.
استند التقرير على منهجية صارمة في الوصول إلى استنتاجاته، حيث قام فريق التحقيق وتحديد المسؤولية بتقييم المعلومات التي تم الحصول عليها من بعثة تقصي الحقائق والدول الأطراف وكيانات أخرى بعناية، إلى جانب المقابلات وتحليل العينات ومخلفات الذخيرة ونماذج تشتت الغاز وتجارب إسقاط الأسطوانات ونمذجة الكمبيوتر والأقمار الصناعية، والأدلة الأخرى مثل مقاطع الفيديو والصور الموثقة، إضافةً إلى استشارات الخبراء والمتخصصين، إلى جانب المواد والمصادر الأخرى ذات الصلة. راجع الفريق أزيد من 19000 ملف، تبلغ مساحتها أزيد من 1.86 تيرابايت، وحصل على 66 إفادة شهود، خمس منها لنساء، وغير ذلك من الأدلة.
وبناءً على كل ذلك، فإن نتائج التحقيق التي وردت في التقرير تعتبر حاسمة، وتشكِّل مادة قوية بالإمكان تقديمها إلى مُدَّعين عامين في الدول التي تتمتع بالولاية القضائية العالمية، وبالإمكان استخدامها في حال إنشاء محكمة دولية خاصة لسوريا، وهي دون شكٍّ صفعة قوية للنظام السوري وحليفه الروسي.
وقد أثبت التقرير أنَّ هناك أسباباً معقولة للاعتقاد أن ما لا يقل عن طائرة مروحية واحدة من طراز Mi8/17 ألقت أسطوانتين أصابت بناءين سكنيين في منطقة وسط مدينة دوما، وذلك بين الساعة 19:10 و19:40 في 7/ نيسان/ 2018، وفي أثناء هجوم عسكري لقوات النظام السوري، وبعد مغادرتها قاعدة الضمير الجوية، وهي تعمل تحت سيطرة قوات النمر -المدعومة من روسيا-.
وكنا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أصدرنا تقريرين منفصلين وثقنا فيهما تفاصيل الهجوم الكيميائي الذي شنه النظام السوري على مدينة دوما، كما أدانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الهجوم في بيان صدر في 13/ نيسان/ 2018.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد وقَّعت في كانون الثاني من عام 2020 وثيقة مبادئ التعاون مع فريق التحقيق وتحديد مسؤولية الهجمات (IIT) في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) وتشارك البيانات من أجل المساهمة في التحقيقات في الحوادث التي يقوم بها الفريق حالياً وفي المستقبل، وتعتبر أحد المصادر الأساسية في التقارير الصادرة عنه، وذلك كون الشبكة السورية لحقوق الإنسان تمتلك قاعدة بيانات واسعة عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
وكان فريق التحقيق وتحديد المسؤولية قد أصدر تقريره الأول في 8/ نيسان/ 2020، والذي خلص إلى أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية في 3 حوادث مختلفة في مدينة اللطامنة، وقد أصدرنا بياناً في هذا الخصوص.
وأصدر تقريره الثاني في 12/ نيسان/ 2021، والذي خلص إلى أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية في الهجوم على مدينة سراقب في 4/ شباط/ 2018، وقد أصدرنا بياناً في هذا الخصوص.
إنَّ النظام السوري قد صادق على اتفاقية حظر استخدام وتصنيع الأسلحة الكيميائية في أيلول/ 2013 بعد التهديد باستخدام القوة العسكرية ضدَّه على خلفية استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد محافظة ريف دمشق في 21/ آب/ 2013، وبالتالي أصبح دولة طرف يحظر عليه استخدام أو تصنيع أو تخزين، بل عليه أن يدمر مخزونه من الأسلحة الكيميائية، لكنه عوضاً عن ذلك أعاد استخدامها 184 مرة بعد أن صادق على الاتفاقية ؛ بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان من ضمنها الهجوم على مدينة دوما في 7/ نيسان/ 2018.
وبكل تأكيد فإن النظام السوري قد خرق مواد عديدة في الاتفاقية بشكل صارخ ومتعمَّد، وعلى المجلس التنفيذي مسؤولية متابعة خرق النظام السوري لهذه الاتفاقية والحصول على إدانة واضحة من غالبية الدول الأعضاء -روسيا، والصين وفنزويلا والدول المؤيدة لاستخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية لن تدين استخدامه لها بل سوف تنكر ذلك-، واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لمحاسبة النظام السوري، وإحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي، وتحميل مجلس الأمن مسؤوليته في ما يحدث من استخدام أسلحة دمار شامل في هذا العصر، الأمر الذي يعتبر أعظم تهديد للأمن والسلم الدوليين.
بناءً على ما سبق، وما وردَ في تقارير فريق التحقيق وتحديد مسؤولية الهجمات في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي تثبت مسؤولية النظام السوري عن 5 هجمات كيميائية، وبموجب الفقرة 3 من المادة الثانية عشرة من الاتفاقية فإننا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان نطالب أن يوصي مؤتمر الدول الأطراف في دورته الـ 28 المزمع عقدها في تشرين الثاني 2023 باتخاذ تدابير جماعية طبقاً للقانون الدولي، كما أنه يجب عرض القضية بما في ذلك المعلومات والاستنتاجات ذات الصلة، على الجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن وذلك بموجب الفقرة 4 من المادة الثانية عشرة.
يجب نقل المسؤولية بشكل سريع إلى مجلس الأمن والطلب منه التدخل وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على اعتبار استخدام دولة عضو لأسلحة الدمار الشامل يفترض أن يُشكِّل تهديداً جدياً للأمن والسلم الدوليين، وتنفيذاً لقراراته ذات الصلة.
على الدول الأطراف لا سيما الدول الحضارية أن تستخدم حقها المنصوص عليه في الفقرة 8 من المادة التاسعة من الاتفاقية وتطلب إجراء تفتيش موقعي بالتحدي داخل الأراضي السورية لغرض توضيح وحل أية مسائل تتعلق بعدم امتثال محتمل من قبل الحكومة السورية لأحكام الاتفاقية، كما نوصي باستخدامها الحق المنصوص عليه في الفقرة 12 (أ) في أن توفد ممثلاً لها، لمراقبة سير التفتيش؛ وفي أن يتم إجراء هذا التفتيش دونما إبطاء.
تدعم الشبكة السورية لحقوق الإنسان ولاية وعمل فريق التحقيق وتحديد مسؤولية الهجمات بشكل كامل، وتؤكد أن هذه التحقيقات هي جزء أساسي من مسار محاسبة المتورطين في استخدام أسلحة الدمار الشامل في سوريا وملاحقتهم والحرص على عدم إفلاتهم من العقاب وفضح أكاذيبهم وجرائمهم، وبالتالي تحميل بقية دول العالم مسؤولية معاقبتهم، وفقاً لما تنصُّ عليه المادة 8 من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية[1].
تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان على أنها مستعدة للمساهمة في تقارير الدول والمنظمات الدولية عن حالة حقوق الإنسان في سوريا، وسوف تبذل أكبر جهد ممكن لنقل ما يجري من انتهاكات وحوادث بموضوعية ومصداقية وصولاً إلى تحقيق هدف حماية المدنيين في سوريا، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات كافة، والبدء في مسار التغيير نحو الديمقراطية.